أفعى
أفعى
بقلم الأديب اللبناني سليمان جمعة
الهشيمُ الذي تكاثرَ من سنينَ يلبسُ مصاطبَ حقلي،
وتتسللُ خلالَه عرائشُ العنب وتتمددُ نزولا على سفحها .
نزلت يومًا أتفقّدُ شجيراتِ الزيتون، تأمّلتٌها كمن
يقرأُ مُسودّات قد أهملَها وخربشَ فوقَها يتسلّى؛
نويتُ أن اكتبَها من جديدٍ وأنقصَ منِ امتدادِ السّفح
فأضيفهُ للسَّهلةِ من الحقل، وأقيمَ حائطًا من دبْشِ الحجرِ يسندُه .
الكتابةُ نسخًا عن المسودّات مُملةٌ وفيها بعضُ الفرح،
إذْ تتعرفُ على أفكاركَ القديمةِ التي تركتَها محبوسةً.
لا بأس، قد تزيد السهلة مِترين، مما يسمحُ لي بزراعةٍ
عددٍ من أشجارِ اللوز في تُربة بِكر لم تزرعْ من قبلُ .
تلك المسودات أثمرت عددًا كبيرًا من الأفكار التي كانت
باكورةَ كتاباتي .
خطّطتُ لذلك وأنا أعودُ أدراجي شابكًا يديَّ وراء ظهري،
أسنِدُ صعودي عائدا إلى البيت.
هدرتِ الجرّافةُ هناك ...
وأنا أقفُ فوقَها عند كتفِ الجبل؛
وإلى جانبي ابْني الشاب يتأملُ ويحدثُني عن مشاريعَ
سيقيمُها إذا أكرمَنا المولى ببئرِ ماءٍ.
كنت أُصغي ونظري أسفلَ المصطبة،
انحنيتُ، تناولتُ حجرا بقدرِ ضِعفيْ راحة يدي،
قذفتُها بمهارة،
أصبتُها،
لم تمِلْ أكثرَ من مترين، بعد أن خرّبتِ الجرافةُ
جُحرَها .
علا صوتي :
-لا..
لا ..لم أكن أريدُ ذلك لقد ماتت،كنت أريدُها أن تغادرَ فقط.
تنبّه ابني ،
نظر الى الأسفل فرآها، أفعىً ممددةً.
-كيف
ذلك يا أبي ؟
واستدار وهو يُبربر :
- ماذا
فعلتْ لك؟
دائما تنبّهُنا ألا نقتلَ تلك الزواحف في الحقل ولا
نُجابهَها، ولا نحطّمَ النملَ..ولا ..ولا..أين كلامَك ؟
لم أملكْ أن أجيبَه،
أقمتُ الحائطَ الساندَ، ولكن ما زلت أفتّشُ في ظلّه عن
جوابٍ أُقنعُ به ابني علي، ليُسنِد به مسودة أحاديثَ غزاها الهشيمُ وتتسللُ
خلالَها أصابعُ دالياتٍ بكرٍ، ما زالَ يسْتطيبٌ عناقيدَها ..
تعليقات
إرسال تعليق