رسائلي التي لم أرسلها (1)

 

رسائلي التي لم أرسلها

 (1)

بقلم الأديبة المصرية د. أميمة منير جادو




إليك وحدك أكتب :

بعد تردد طال..وخجل بلا حدود..

لكنه الخيال جمح وجنح وفاض ولعله جانبني الصواب..لكني لست أبال ..

تحتشد بين أضلعي شتى المشاعر مابين كبرياء وحزن..مابين وفاء وضعف.

وتنازعني في صمتي حكمتك وعفتك وفصاحتك وبلاغتك وذكاء بلا حدود...ويصعب الأمر علي كثيرا..فلمثلك تصعب الكتابة ..

وعلى مثلي تتعثر خطى الحروف من نفس ملأى بالأحزان والجراح حد ميراث الكآبة.

هذه أولى رسائلي إليك..

لعلك ستقرأها وتفهمها بقلبك وروحك ولعلك ستمر عليها مرور الكرام لتهنئني في نهايتها بكلمة مجاملة أو حتى صدق الانطباع على نص ربما يدهشك ..ولا أكثر ولا أقل..

وقد لا تقرأ سطوري أبدًا ..ولا تظنها إليك مترفعا عن حيرة قد تستهلكك وعن حنين قد يودي بك في جب المجهول الغامض..وأنت الذي تنأى بذاتك عما يربكك فيكفيك ما تعيشه من هموم ولست بحاجة لهم جديد ..

أو ربما اللا أمل .. فتهمس لنفسك : مالي ومالها..ولعلها لا تقصدني أنا..ولماذا أدعي لنفسي شرفَا بها يشمله الغموض..والحيرة ؟

فلنكن كما نحن على حافة البئر العميق..فالمجازفة هي بين بينين إما الغرق وإما البحث عن سراب آخر في صحراء الرجوع..

لكني

أوقن أن رسالتي ستستوقفك كثيرًا .

ولا أقصد من ورائها إثارة الشك والحيرة ..

لكنها اختلاجاتي المسافرة إليك عبر المدى بعيدًا.

هي روح تسبح وتحلق في ملكوت الله لا يعلم وجهتها إلا خالقها ومسيرها والمقدر لها تجاه الأسفار..

والترحال..بلا تخطيط مسبق..بلا تعمد وسبق إصرار.

بلا غاية .بلا تفسير..لعل في تلك الحالة الهلامية تكمن الغاية ولربما ينتفض الإمري من موته الحتمي..

مزقزقًا على شجر الليمون..حيث يستفيق من سكرات موت لروعة حياة..عبر صديقه العصفور الوفي الشجاع...ذاك العصفور النبيل يحاول بعث الحياة به من جديد ...يحاول مرات تلو مرات دونما يأس حتي يستعيد الميت حياته من جديد فينتفض ويفرد جناحيه مغردا ويطير...

ربما..

ربما..

هو القدر إذن بلا جدال..وما أروع ما تأتي به الأقدار..

لعلها المعجزة ..التي ما انتظرتها أبدا ليقيني بانتهاء زمن المعجزات..

لا تندهش يا محيي :

مع خالص احترامي لكل ألقابك المبجلة والتي لا تنتقص من قدرك عندي وعند الكثيرين والكثيرات في بقاع الأرض ودول العالم، ومن يدري فلعلهن كثر عاشقاتك فلا صعوبة الآن في تواصل مختلف الجنسيات...الله وحده أعلم..

نعم يا محيي الدين لا تندهش ،، فهذه المرة الأولى التي أناديك فيها باسمك الحقيقي الذي لا يعرفه سواي غيرك .

أعرف أنه ليس اسمك الحركي الذي تقنعت به عبر وسائل التواصل الإلكترونية..

هل أخبرك بما يدهشك أكثر : (محيي الدين ابو العز أبو العزايم آدم عبد ربه.. ههههه)

أليس هذا هو اسمك الحقيقي الذي تخفيه عن الجميع....لن تلومني أو تتهمني بأني أذعت سرًّا ،،،

فالسر لم يزل سرًّا..

نقتسمه وحدنا.... أنا وأنت ..ويشهد الله .

ستندهش وترتبك وتحتار وتتساءل : أنّى لها هذا ؟

كيف وصلت ؟

وأنت الذي أمعنت في إخفائه عن الجميع..لا يعرفه إلا من استطلع بطاقة هويتك وأهلك والمقربين...

وليس أحد منهم يعرفني ..ولن يعرفني..فلا تقلق.

لكني واثقة أنك لن تغضب مني بقدر ثقتي في مكانتك عندي, بقدر ثقتي بمكانتي عندك, دونما شرح أو تعليل أو تسمية أو تفسير... لعلها مكافأة الأقدار .

هكذا تكون مشيئة الأقدار..نحن لا نسيرها بل تسيرنا.

وكما قال الشاعر

(كتبت علينا خطى مشيناها ....

ومن كتبت عليه خطى مشاها)

عزيزي/ صديقي/ غالي : محيي الدين أبو العز،

أكاد أراك مندهشًا مازلت  

فلا تندهش أبدا يا أثيري..

فحين يداخلك النور فجأة، كالتماعة برق شق ظلام الليل في سماء غائمة بسحابات داكنة في ليل بهيم  بلا قمر ولا نجوم...لا تندهش إذن حين يمرق البرق فجأة, وبقوة .

فيهطل الغيث ويجود على الأرض الجدباء فتنبت خضرة ونماء وزهورًا وبساتين من فرح..وعناقيد كرم...فتتلون الارض بألوان قوس قزحية فيمنحنا أملًا وحلمًا وزقزقة طيور بحبور ودعاء كروان يشق السماء مغردا :

(الملك لك لك لك يارب)

بعدما كان يشكوه دومًا:

((أشكوه لك لك لك يارب))..

لا تندهش يا محيي الدين ..ياعزيزي..الأعز والأغلى.

تصور : أعجبني اسمك كثيرا..راق لي..ابتسمت وأنا أطالعه لأول مرة مرافقًا لصورتك التخطيطية بالرصاص..تلك التي حدثتها مؤخرا على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر..

لست أدري من الفنان الذي رسمك ..أصديق عزيز أهداها إليك، أم فنان آخر..في الحالتين هو فنان بلا شك ..

لكنك حدثتها أيضًا بغموض وفي ظلمة معاكسة للضوء..كأنك مصمم أن تسبح في غلالة الغموض ونسيت أن الروح حين تتلاقى بشبيهتها تعبر كل الحدود والحواجز فلا تأشيرة دخول ولا جوازات ولا أسلاك شائكة .فقط تسعى لإلفها فتأتلف بيسر وفرح وبراءة وتعانقها بعد انتظار طال حدّ الملل والسأم والضجر والموت .

أحاول أن أجد تفسيرًا..

وتجهدني المحاولة إثر المحاولة فاستسلم مرددة : سبحان الله وبحمده..لا راد لقضائه.

وأغيب في خيالات رائعة تكفيني مددا ليوم تال أو لأيام قادمة أبحث فيها عن حرفك الجديد، أو صورة سابحة في أبجدية لانهاية لها..وتشكيلات لمعاني وراء الكلمات العادية ..

تماما كإسمك الذي صار يستهويني كثيرًا لأردده وأبحث في معانيه العظيمة ..وابتسم مرددة : حقا اسم على مسمى..ولكل من اسمه نصيب..واسمك كله على مسمى..

ضحكت كثيرًا بفرح وأنا أعيد قراءته بهذه التركيبة العجيبة ..أكاد أرتله مرة تلو أخرى وأكرره وابتسم وابتسم ، "محيي الدين " وأتوقف قليلًا وأناجي صورتك وأسألها : تصور كم هو لائق عليك, فدومًا أنت تحيي ديني كلما انحرفت مساراتي بوزغات شيطان رجيم, يستفز يأسي وقنوطي من حياة قاتلة قاتلة..

أجل كلما داخلني يأس وقنوط رددتني بدعم إيماني مجددًا تقواي التي تزيد وتنقص رغمًا عنا لطبيعتنا البشرية المجبولة على الابتلاءات والضعف والتقصير .وقلت : هوّني عليك هوّني..يا صديقتي الأعز والأغلى.

الصبر الصبر...ونعم أجر الصابرين.

أرد بأنين لا تسمعه ودمع لا تراه : ونعم بالله.

ثم أهمس لنفسي : أبو العز ؟ وأبتسم وأتأمل وجهك السمح الجاد، قسماتك الأبية، نفسك العزيزة من أصلاب رجل يدعى بأبي العز والعزائم لا أندهش من عزيز ابن عزيز وسمته العزة والإباء وشيمته الكرامة، وانتقل لجدك آدم عبد ربه وأتساءل : أهو اسم مركب أم أنه جده وجد أبيه ؟ ابتسم كثيرًا لخيالاتي وتساؤلاتي : هل جاء اسمه كله هكذا من قبيل الصدفة ؟؟

لم أعد أفكر..

فالتفكير مرهق ..وأنا مرهقة جدًّا..

أبحث عن راحة ..

تعبت من فرط البحث..

مؤمنة بالقدر حتى منتهاه .

قدرية أنا..وسأبقى ما بين صبر ورضا.

دمت بخير . وإلى اللقاء في رسالة أخرى.

------------

قدرية عبد الصبور .

 

تعليقات

مشاركات شائعة

جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح عنوز الشعرية الكاملة بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية "مشاهد" للكاتب المصري شريف التلاوي بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي

الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية لديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» لـلشاعر المغربي سعيد محتال بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

سرد الاغتراب والبحث عن المعنى قراءة ذرائعية في رواية ( منروفيا ) للكاتب المصري أحمد فريد مرسي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

تجليات أدب الخيال العلمي في المجموعة القصصية / تشابك سرّي/ للقاصّة المصرية غادة سيد دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم د. عبير خالد يحيي

المشاركات النقدية الذرائعية

كبوة الريح/دراسة نقدية ذرائعية

مؤلف عبد الرحمن الصوفي

الشعر الحر وتمثّلات الدعوة لأغراض شعرية جديدة - دراسة ذرائعية مستقطعة في قصائد للشاعر العراقي وليد جاسم الزبيدي من ديوان ( مرايا الورد) بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبيرخالد يحيي

جرأة التجريب ولعبة الميتاسرد في رواية ( لو لم أعشقها) للأديب المسرجي والروائي المصري الكبير السيد حافظ - دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة السورية الدكتورة عبير خالد يحيي

قداسة المكان و تحليق الذّات الملتهبة

التوازي في الدلالات السردية - دراسة ذرائعية باستراتيجية الاسترجاع في رواية ( بغداد .. وقد انتصف الليل فيها) للأديبة التونسية حياة الرايس - بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي

قصيدة ترميم الروح

قصيدة النثر العربية المعاصرة

أدب الغزو من منظور ذرائعي

تعبير رؤية