البنيوية
البنيوية
بقلم د. عبير خالد يحيي
والبنيوية بالمعنى الاصطلاحي الوضعي هي النظر في التصميم
الداخلي للأعمال الأدبية بما يشمله من عناصر رئيسة تتضمن الكثير من الرموز
والدلالات, حيث يتبع كل عنصر عنصرًا آخر.
النشأة والتطور :
لم تظهر البنيوية كمنهج نقدي أدبي إلا في منتصف القرن
العشرين, وتحديدًا في فرنسا في الستينيات من القرن المنصرم عندما قام تودوروف
بترجمة أعمال الشكلانيين الروس إلى الفرنسية[1] في كتابه " نظرية الأدب , نصوص الشكلانيين
الروس" .
فإذًا, الشكلانية هي أول مصدر للبنيوية, لذلك سيتبنى نفس المنظور من حيث
اعتبار "النص الأدبي نظامًا ألسنيًّا
ذا وسائط إشارية ( سميولوجية ) للواقع
وليس انعكاسًا له"[2],
فكان البنيويون مثل الشكلانيين يعزلون النص عن السياقات الخارجية الثقافية
والتاريخية والاجتماعية.
أما المصدر الثاني فهو النقد الجديد : الشكلانية
الأنغلوأمريكية: التي ظهرت في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين في أمريكا, أحد
أعلامه – مثل عزرا باوند- اعتبر الشعر
نوعًا من الرياضيات الفنية, لا حاجة فيه للمضمون, إنما المهم هو القالب الشعري (
هيوم), وأنه لا هدف للشعر سوى الشعر نفسه( جون كرو رانسوم) [3].
وتعتبر " ألسنية دي سوسير " المصدر الثالث
والأهم على الإطلاق للبنيوية , بل يُعتبر سوسير رائد الألسنية البنيوية, بسبب
محاضراته ( دروس في الألسنية العامة ) التي نشرها تلامذته في العام 1916 بعد
وفاته, وفيها يتقاطع علم اللسانيات الحديث مع المدرسة الشكلانية الروسية, ورغم أنه
لم يستخدم فيه لفظ ( بنية ) على الإطلاق, فإن البنيوية كلها خرجت من ألسنيته, حيث
أنه أول من مهّد لاستقلال النص الأدبي بوصفه نظامًا لغويًّا خاصًّا , وفرذق بين
اللغة والكلام, "فاللغة عنده هي نتاج المجتمع للملكة الكلامية, بينما الكلام
هو حدث فردي متصل بالأداء وبالقدرة الذاتية للمتكلم"[4]
.
أما المصدر الرابع للبنيوية فهو " حلقة أو مدرسة
براغ البنيوية " وهي حلقة دراسية مكونة من طائفة من علماء اللغة في براغ
التشيكوسلوفاكية, يترأسها (فيليم ماتيزيوس), واستقطبت المدرسة العديد من ألمع
لغويي وباحثي ذلك العصر ,ومن أبرزهم الروسيان ( سرغيفيتش تروبتزكوي) و(رومان
جاكبسون) واثاني هو نفسه مؤسس المدرسة الشكلانية الروسية, سافر إلى براغ كملحق
ثقافي لبلاده, أدرك أن الجو السائد في وطنه الأصلي روسيا سيخنق نظرياته المستقلة
في الصوتيات, فجعل يوسّع دعوته في براغ, ونشر أول دراسة منهجية في تاريخ الأصوات
اللغوية في مؤتمر براغ للصوتيات في العام 1930, وأخذ يطبق بعض مبادئ المدرسة
الشكلانية على مشاكل الشعر في تشيكوسلوفاكية, وتمكن من حلّها بنجاح كبير , وجعل
يتنقّل بين روسيا وبراغ والسويد والولايات المتحدة الأمريكية مبشّرًا بنظريته الجديدة,
وداعيًا إلى وجوب تعميق الدراسة الوصفية للغة, واتخاذ أسس وظيفية لهذه الدراسة,
ودراسة القيمة الصوتية ومدى ارتباطها بالمعنى, ويعد ذلك أولى
المحاولات للكشف عن فكرة ( الفونيم) في الدراسات اللغوية.
فبماذا إذًا تختلف البنيوية عن الشكلانية ؟
الفارق بينهما أن الشكلانية أن الشكلانية وضعت أسس
الاختلاف بين الشكل والمضمون, أما البنيوية فقد حاولت دمج الشكل والمضمون, والدال
في المدلول, لأن الدال الواحد لابد أن ينتج مدلولات مختلفة لشخصين أو متلقيين
اثنين مختلفين حسب التجارب الفردية وعليه ينفتح النص الواحد على قراءات متعددة,
أي ينفتح النص المغلق والمعزول عن المعنى ( عند الشكلانيين) على معاني لا منتهية (
عند البنيويين). على أن يتم تناول تلك المعاني أو المضامين الأيديولوجية والعاطفية
كعنصر في البنية الجمالية, يطوّر جاكبسون
مفهومه حول أدبية الأدب معلنًا الاتجاه المنهجي الجديد في مدرسة براغ والذي يدعو
إلى استقلال الوظيفة الجمالية لا إلى
انعزال الأدب, ففكرة أدبية الأدب ليست سمة الأدب الوحيدة وأيضًا ليست مجرّد عنصر
فيه, لكنها خاصيته الاستراتيجية التي توجه العمل الأدبي كله, بالإضافة إلى ذلك برز الاهتمام بدراسة الرموز
والعلاقات, واعتبر ذلك أيضًا من ضمن خصائص الأدب البنيوية, توضيحًا للغموض الذي لا
مفر منه في الأعمال الشعرية, كل ذلك كان بفضل النشاط البحثي لحلقة براغ الذي تجاوز
الدراسات اللغوية والأدبية إلى دراسات في المجالات الاجتماعية والنفسية والفلسفية
معتمدة على علم اللغة كنموذج لهذه الدراسات,
انقطع نشاط الحلقة بسبب الغزو الألماني النازي لتشيكوسلوفاكيا وهجرة الكثير
من أعضائها إلى الولايات المتحدة الأمريكية .
أبرز مبادئ البنيوية :
- الأدب نص مادي تام مغلق على نفسه " النص ولا شيء غير النص".
-
"اللغة هي التي تتكلم وليس المؤلف ",كما يقول رولان بارت
في مقالته" موت المؤلف" من كتابه " نقد وحقيقة " [5]
وإن كان البعض يرجع تلك المقالة إلى أوائل مرحلة ما بعد البنيوية.
-
البنيوية لا تعنى بالمعنى بالدرجة الأولى بقدر ما تعنى
بآليات إنتاجه " فالبنيوية تنطلق
من وجود المعنى كأمر مسلم به مفروغ منه, ومن ثم تتحول عن دراسة المعنى إلى آليات
خلق المعنى حسب قواعد علمية , وهذا ما أشرنا إليه بوصفه تجاهلًا للمعنى "[6]
-
البنيويون لا يعترفون بالبعد التاريخي أو التطوري للأدب,
فالأدب عندهم نظام من الرموز والدلالات التي تولد في النص وتعيش فيه ولا صلة له
بخارجه , لذا يعدّون أية دراسة ذات منظور تطوري أو تعاقبي معوّقة لجهود الناقد
الراغب في اكتشاف الأبنية التي ينطوي عليها العمل الأدبي, فرولان بارت – مثلًا-
يرى أن اللغة أساس العمل الأدبي وعنصر نجاح كل إبداع, ويرى أن مهمة الناقد هي تقديم
معنى للعمل الأدبي [7]
نهاية البنيوية :
يقول الناقد السوري محمد عزام : " إذا كانت
البنيوية قد انطلقت في النصف الثاني من القرن العشرين فملأت الدنيا وشغلت الناس,
فإنها بدأت بالتراجع منذ إضرابات الطلاب الراديكالية في فرنسا عام 1968, مما جعل
البنيويين يعيدون النظر في مواقفهم ومنهجهم الذي خرجت من رحمه مناهج نقدية عديدة
كالأسلوبية, والسيميائية, والتفكيكية , بالإضافة إلى الألسنية التي هي عماد هذه
المناهج النقدية جميعًا ".
ففي فرنسا ظهر مكانها ما اصطلح على تسميته" ما بعد
البنيوية" رولان بارت وجاك داريدا أهم
فلاسفتها.
اعتبر الكثير من المفكرين البنيوية منهجًا لا إنسانيًّا
على الرغم من انتشارها السريع, وكان الفيلسوف الفرنسي لوك فيري وكذلك جاك داريدا
من أبرز المقوّضين للمنهج البنيوي .
أما أعلام النقد البنيوي في الغرب فهم: رولان بارت –
تزفيتان تودورف- جيرار جينيت- بليخانوف
وغيرهم .
في العالم العربي : حميد الحميداني- صلاح فضل- ومحمد
مفتاح.
الخاتمة : كان ذلك عرضًا مقتضبًا لأهم المدارس النقدية
التي ولّدتها ساحة أدب الروسي, التطور
والمبادئ والنهاية .
المصادر والمراجع
1- محمد عزام – تحليل الخطاب الأدبي على ضوء المناهج
النقدية الحداثية – منشورات اتحاد الكتاب العرب -2003- ص 13
2- البنيوية عوامل النشأة وأسباب التقوض- مقال ل / عمر السنوي الخالدي- موقع الألوكة
الأدبية واللغوية – 17/4/2017
3- نفس المرجع السابق
4- نفس المرجع السابق
5- رولان بارت- نقد وحقيقة – ترجمة منذر عياشي – ص 15-
25
6- عبد العزيز حمودة – الخروج من التيه- دراسة في سلطة النص
– عالم المعرفة – الكويت 2003 – ص 92
7-محمد عزام – تحليل الخطاب الأدبي - ص 190
[1] - محمد عزام –
تحليل الخطاب الأدبي على ضوء المناهج النقدية الحداثية – منشورات اتحاد الكتاب
العرب -2003- ص 13
[2] - البنيوية عوامل
النشأة وأسباب التقوض- مقال ل / عمر
السنوي الخالدي- موقع الألوكة الأدبية واللغوية – 17/4/2017
[3] - نفس المرجع السابق
[4] - نفس المرجع
السابق
[5] - رولان بارت- نقد
وحقيقة – ترجمة منذر عياشي – ص 15- 25
[6] - عبد العزيز
حمودة – الخروج من التيه- دراسة في سلطة النص – عالم المعرفة – الكويت 2003 – ص 92
[7] - محمد عزام –
تحليل الخطاب الأدبي - ص 190
تعليقات
إرسال تعليق