المقروئية
المقروئية
كتبت سهيلة بورزق :
ليس من السهل إبقاء النص في فضاء المعلومة الفكرية والأدبية، لتحويله إلى عملية تشريحية لمقاضاة الكاتب عن أفكاره .
إن الفضاء الكتابي عبارة عن تراكمات وحدوية متقاطعة ضمنيا وماديا، تصب في ذات الكاتب الذي ليس من المشروط أن نتفق مع سير خطه الايديولوجي أو نختلف؛
ذلك لأن عملية الكتابة تتحكم فيها معايير مختلفة من التراكمات الثقافية والحضارية والإنسانية والشخصية على حد سواء، لكن هذا لا ينطبق على كل كاتب بدليل وجود ميكانيزمات نظرية تعمل على إظهار جماليات القول من غير قصد التنبيه للمعنى.
و للقارئ هنا أدوار متشابكة التقاطع فهو الناقد بدرجات متفاوتة والمتلقي والمرآة وسلطته لا تكمن في بعث النص إلى غير أصله وإنما تخبطه في التأويلات الخاصة بشخص الكاتب وكأن المؤلف هنا حالة شاذة علينا تسليط الأحكام العشوائية عليه، لفك رموزه التي حرّكت فينا غموض أو غرائز ناتجة عن أمراض نفسية سابقة أو عن عدم الادراك .
أؤمن أن خلو النص الأدبي من أي لذة، لا يعدو أن يكون استعارات لغوية عقيمة تسكت في الحكي وتعبر بالقارئ إلى أجواء الرتابة والنفور من تأطير البنية السردية على حساب المتعة .
كيف أصل إلى حرية ختم سلطتي في النص لأشد القارئ الواعي إلى ثوابتي السردية من دون شرط ؟ أعتقد أن قوة الكاتب في صدقه وتحرره من سلطة القارئ.
إن اللغة في الأساس هي المشرط الحاد الذي تبنى عليه قواعد النص لأنها المرجع الأول لاستهلاكها وانبعاثها في ميكانيزم المقروئية، بل هي الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل النقاش.
اللغة هي سلطة النص وهي مفتاح نجاح الكاتب وهي الفعالية التي تجلب القارئ إلى استراتيجية تمكنها من توليد الدلالات التعبيرية المميزة،
لذلك من الصعب أن نفهم لماذا ينجح كاتب عن آخر في جلب القراء إلى مساحته وبتفاوت جد واضح .
وإذا سلمنا بفكرة أن لكل قارئ صوت ناقد فهذا دليل على نجاح النص في بث مسألته الفكرية المقصودة بغية الوصول إلى الهدف وكيفية استغلال مرجعيته ومن ثمة تأكيدها أو تركها، لذلك ليس مشروطا على الكاتب إقحام ذاته في الاجابة على تأويلات القارئ التي كثيرا ما تكون مصبوغة بانفعالات شخصية جد سلبية.
إن للكاتب عوالم ميتافيزيقية غير محددة، تتضاعف حدتها في كتب التاريخ والروايات الطويلة، بل ومن الكتّاب من يحكم ويجزم ويقطع أن الذي يقوله سيحدث ذات يوم.
ليس هينا على المؤلف أن يحكم من خلال أقواله وكتاباته وهو يحتكم إلى التغيير والتواصل الإنساني والمحبة بدليل أن الكثير من الكتاب دخلوا عالم الجنون من أوسع أبوابه ولم يخرجوا منه قط، ثم كيف لقارئ محدود الرؤية والثقافة أن يتسلح بأخلاقيات تخصه وحده، لإسقاط النص في أسئلة لا علاقة لها بالجماليات.
أجد هنا أن على الكاتب ألا يسمح بسلطته أن تخضع للعقول الملحة على الأخلاق التي تخدم سرائرهم وتعنتهم وقبحهم وربما دينهم، لا تعبير إذن من غير أصل والأصل هو المبدأ الخطابي في الكاتب وهو أيضا الوسيط بين العقل والذات كعملية فلسفية متداخلة فيما بينها وبين مهمة الكلمة في تسيير التقنية اللغوية، وأؤكد أن الناقد الجيد هو القارئ الجيد الذي يستطيع التخلص من سياق خطابه الذاتي الذي ليس بالضرورة أن يكون موازيا للآخرين والنص كهيكل له روح متحركة في فضاء اللغة يبدأ من فكرة ما عالقة في ذاكرة المتخيل ثم يتطور إلى سياق تحليلي تتحكم فيه واقعية البديل من كل جانب و هي المفارقة التي يؤمن بها الكاتب الحر الذي لا يخرج عن طرح الأسئلة البديلة ليس لتوحيد النص فقط بل لخلق نظرية تقوم بتحديث ما وراء الكتابة . وبما أن اللغة سلاح الفكرة لبلورة الواقع يجب معرفة الواقع بلغته ليتوافق الخيال والبديل مع ما هو متوفر، غير ذلك لا نستطيع أن نحصر الكتابات الأخرى إلا في خانة الفلسفة والروحانيات.
#سهيلة_بورزق
أديبة جزائرية مقيمة في واشنطن
أجمل ما قرأت اليوم....فعلا اتفق معك سيدتي الفاضلة في كل حرف كتبتيه فهو عنفوان من درر ،يا حبذا يفهم البعض قيمة النقد في تقدير قيمة النص والإقرار بأن النص كائن حي عاقل يتصرف بسلوك متزن....الكلام معك ممتع ... انحني لك احترما
ردحذفأخوك من العراق عبد الرزاق الغالبي