دراسة نقدية تحليلية ذرائعية براغماتية
دراسة نقدية تحليلية ذرائعية براغماتية
لنص
الكاتب العراقي "عبد الرزاق عودة الغالبي" المعنون ب ( وهم ) من مجموعته
القصصية ( سنوات العمر الهاربة )
مقدمة عامة:
" الأدب عراب المجتمع"
مقولة لطالما رددها أستاذي الدكتور "حسين أبو ليث" . وإذ نجد خلاصنا في
هذا المعنى، نجد في أنفسنا نحن المتيمون بالأدب العربي والنص العربي حاجة ملحة
لتذوق النصوص وصونها نقديا، فالنقد حارس الأدب الرصين الوفي وعرابه.
قديما كان أجدادنا يمارسون النقد الأدبي بعفوية وتلقائية
مردها قوة قرائحهم وسموقهم في سماء الإبداع والتذوق، وهو ما يعرف في تاريخ النقد
بالنقد الانطباعي أو النقد التذوقي. ومع تناسل النظريات النقدية الغربية، صار
الناقد العربي يعتمد ما جاءت به مسقطا إياه على النصوص العربية في غياب نظرية
عربية بحتة تنصف خصوصيتها. فكان نقادنا العرب حينما يتمكنون من إحدى تلك النظريات
يعلنونه نصرا وما هو بنصر، فما هو إلا انتصار للنظريات الغربية النقدية التي ما
راعت يوما لساننا العربي، الإعجاز الكوني الذي لا يماثله ولا يضاهيه شيء، فتاه
بذلك نقادنا تحت وطأة نظريات جعلت المضمون منغلقا على ذاته سجينا للنص كما توهم
البنيويون أو فاقدا لمعانيه التي تلاشت بتلاشي أنساقه وبنياته نتاج ما دأب عليه
التفكيكيون... فالأديب العربي خاصة يجد في مفردات اللغة العربية المنفتحة على أكثر
من معنى وأنساق اللغة التي تحتوي الفكرة والمضمون وتثريهما وسيلة مثلى للبوح بمكنوناته
ما تفطن له وما لم يتفطن له. وهنا يأتي دور الناقد الأريب الذي يقع على عاتقه
استبيان واستنطاق النص الأدبي ليبوح بجل ما فيه (ولن أقول الكل). فالأديب إذ تغشاه
اللحظة الإبداعية يحاول احتواء ما تفيض به من عاطفة وانفعال من خلال نصه. فالناقد
إذن وحتى يكون منصفا للنص العربي فلا يقع في الإنشائية التي قد تبعده عن هدف النقد
الحقيقي . مدعو للإمساك بكل كلمة كلمة والغوص في ظاهر النص وباطنه وامتلاك خباياه
واستنباط معانيه، فلن نكون شاذين عن المعنى القويم إن ادعينا أن الأديب يبث جزء من
روحه عبر حروفه شاحنا نصه بنتاج تجاربه ومعتقده متأبطا خلفيته المعرفية
وإيديولوجيته وبيئته مؤثرا ومتأثرا. لكل هذا نجد في الذرائعية ضالة النقد المنصف
للنص العربي الرصين وهي النظرية التحليلية القادرة على سبر أغوار النص بآلياتها
المحكمة المذهلة المبنية على تحليل منهجي للنص يستحضر ديناميته المتعددة والمتنوعة
الأنساق المنفتحة على ذاته والممتدة إلى خارجه. النظرية التي تحتضن النص احتضانا
متكاملا باستحضار الخلفية الأخلاقية للأديب وتمكين الناقد من تذوق النص جماليا
وعقلانيا بمداخل محددة واضحة، مع فتح المجال لكل أشكال التأويلات الثابت والمتحرك
منها والانفتاح على المعاني المؤجلة ما يخدم النص العربي بامتياز وينسجم ولساننا
العربي ومنهاجنا الإسلامي. ومن منبرنا هذا نعلن ذرائعية التوجه من خلال تبني
النظرية التحليلية الذرائعية البراغماتيكية للدكتور المتمكن والمنظر المجدد عبد
الرزاق عوده الغالبي، ولنا الشرف والفخر بتبني نظرية هي الأولى من نوعها باعتبارها
تتجاوز كون النص الأدبي أنساقا لغوية وبلاغية ذات جمالية لتنتقل بالناقد إلى
مستويات غوص لم يكن مدركها بسابقاتها، ومدعاة الفخر الكبرى هنا هي أنها نظرية عربية
محضة سيكون لها بدون شك أبلغ تأثير على الإبداع والنقد العربيين، لتكون اللبنة
الأولى للنهضة الثقافية العربية قد أخذت مكانها بيد منظرنا العبقري بن بلاد
الرافدين ''عبد الرزاق عودة غالبي'' الذي كان لنا ومايزال شرف التتلمذ على يديه
إلى جانب الدكتور ''حسين عوفي'' ملك القوافي والدكتورة سيدة الذرائعية الأولى
الخبيرة المذهلة ''عبير خالد يحيى'' . فألف شكر لهم وألف شكر للناقد الفيلسوف
الأديب المغربي ''عبد الرحمان الصوفي'' جسرنا نحو تبني هذا الصرح ومعبرنا للنهل من
منبعه، وكل فريق النقد المغربي الذي راهن الدكاترة على نجاحه.
وفي دراستي هذه يشرفني أن أتناول بالنقد قصة قصيرة
للكاتب الفذ مبتكر النظرية الذرائعية البراغماتية ''عبد الرزاق عودة الغالبي''
لأضمن لنفسي حق الفخر بكوني من طلائع جيش نقاد الذرائعية الذي لا شك سيكتسح ساحة
النقد العربية والعالمية.
القصة بعنوان ''وهم'' من المجموعة القصصية ''سنوات العمر
الهاربة.''
نبذة عن حياة الكاتب
ولد الكاتب في مدينة الناصرية ببلاد الرافدين العراق،
البلد الضارب بجذوره في عمق التاريخ، ولا غرابة أن تجود علينا العراق بمثله أديبا وهي
الحاضنة لأعرق وأشهر الحضارات الإنسانية والمنشأ الأول للكتابة في عهد السوماريين
الذين اخترعوا ما سمي بالكتابة المسمارية، وهذا ما يجعل القلم في يد أبنائها
بديهيا ومن المسلمات.
الكاتب هو "عبدالرزاق عوده الغالبي" التربوي و
المنظر والأديب و المترجم و الناقد ، صاحب المنهجية الذرائعية للنقد الأدبي الحديث،
الأديب الجامع والمثقف الذي أثرى الوسط الأدبي بمؤلفاته. خريج كلية الآداب جامعة
البصرة سنة 1972 قسم اللغات الأوربية
انجليزي/ ألماني.
عمل
مدرسا ومشرفا ااختصاصيا لمدة أربعين سنة.
اشترك في الدورات التطويرية في علم اصول التدريس وعلم التعليم : الميثولوجي
والبيداغوجي ٍ
داخل القطر وخارجه حتى بلغ عدد الدورات التي شارك فيها 36 دورة تطويرية.
ساهم كثيرا في التطوير وكتب عشرات البحوث والمقالات عن تطوير مدارس اللغة
الانكليزية في العراق,
كتب الشعر والقصة القصيرة والمقال الادبي منذ طفولته. تجاوزت كتاباته الادبية
المنشورة في الصحف والمجلات الورقية والالكترونية اكثر من 400 مادة ادبية.
كتب العديد من النقود وحسب نظريات ما بعد الحداثة ، كالمدرسة التفكيكية
والانكليزية لنصوص ادباء عراقيين وعرب ....وبلغ عددها اكثر من عشرين نقدا.
عضو اتحاد كتاب الانترنيت واتحاد الادباء الدولي واتحاد النقاد العربي واتحاد
النقاد العراقي ورئيس لجنة النقد في اتحاد الروائين العراقيين في البيت الثقافي
العربي في الهند
وضع النظرية الذرائعية وقد ضمنها بكتابه الأخير الموسوم بالذرائعية في التطبيق
واعتبر أطروحة ، حصل من خلالها على شهادة الدكتوراه بعلم النقد من جامعة ستراتفورد
الامريكية في الهند. تدرس الان على
نطاق واسع وتلقى نجاحا وإقبالا
كبيرين.
مؤلفاته :
: الكتب الصادرة
- أهمية التواصل في عملية تعلم اللغة الإنكليزية
: كتاب في طرق تدريس مادة اللغة الإنكليزية
- العبور إلى الضفة الأخرى : أدب عالمي مترجم
- هواجس اليأس : مجموعة شعرية
- سنوات العمر الهاربة : مجموعة قصص قصيرة
- أجنحة المعاني : مجموعة قصص قصيرة
- ترانيم
سومرية : مجموعة شعرية
- الذرائعية في التطبيق في تحليل النص الادبي
العربي
: الكتب تحت الطبع أربع مجموعات وهي
- أحاسيس مبعثرة : مجموعة شعرية
- انتحار قلب : مجموعة شعرية
- تيه في مجاهل الغربة : رواية
- جمهورية الصفيح : رواية
: الكتب قيد الإنجاز
- كتاب نقد أدبي
- مجموعة قصص قصيرة
البؤرة الأساسية الثابتة للنص:
لا شك أن واقعنا المر الأسود الصفحات، المكتوب بمداد
الجهل والتخلف والتعصب والفساد والنفاق والرياء، المداد الأسود الذي اتفق مع سواد
الصفحات فشكلا معا لوحة قاتمة اختلط فيها السواد بالسواد لدرجة فقدنا معها القدرة
على التمييز. لا شك أن واقعا بهذه المواصفات يحتاج التأمل والتدبر والجس والفحص
والتشخيص. وكاتبنا المفكر والمربي المنسجم في كتاباته مع إيديولوجيته الأدبية
والفكرية حامل لهم الوطن العربي الكبير، متسلح بمعارفه وقدرته الكبيرة على الغوص
سيكولوجيا وسوسيولوجيا في عذابات مجتمعه وأمته، لا يؤول جهدا في فك الطلاسم وجعل
الكلمات مرئية، مزيحا بذلك الحلكة المستوطنة، ملاحقا الجهل والفقر والتخلف بأسلوبه
الفريد الصادم الذي يدر الملح على الجروح لتنطلق الآهات فتكون يده أول من تربت على
الأكتاف وكأنه يقول لنا أن معركتنا مع الشر لن نكسبها إلا بوعي كامل بمسببات واقعنا
وبالعودة إلى جادة الصواب ونبذ كل مخل بمنظومتنا الفكرية .
وهذا النص الذي بين أيدينا لا يخرج عن هذا السياق حيث
يطارد فيه الكاتب داء التملق والكذب والنفاق والرياء بوصفه الحائك الماهر لثوب
''الوهم''.
الاحتمالات المتحركة:
من الواضح أن الكاتب كان في حالة ازدراء للواقع المكشوف
أمامه مع سلام نفسي وتصالح مع الذات وجاهزية لمصالحة الآخر الذي ينظر إليه بشيء من
الشفقة مرده إلمامه الكبير بعلم السيكولوحيا ووعيه بالضعف الذي يمكن أن يعصف
بالإنسان إزاء المؤثرات والإكراهات المعيشة وعوالم من الأوهام ورثها أو صنعها طوعا
أو حبكت له حبكا.
"حسن أن يرضيك نصف ما تسمع، خير من أن
ترفضه كلياً حتى وإن كان وهماً تطلبه نفسك، فهو أعمق من حقيقة تجرح إحساسك"
أول ما ابتدأ به الكاتب القصة. كلمات قليلة، لكن ما
تحمله من معان وما استطعت تلمسه من مكنوناتها التي قد أتفق أو أختلف فيها مع
القارئ ومع الكاتب نفسه. يحتاج مني تركيزا كبيرا لامتطاء صهوته وفضاء أكبر لعرض ما
لملمت من خيوطه الطويلة التي قد تجذبني إلى عوالم فلسفية وتكنيكات أدبية كثيرة
تخدم أهدافا أكثر. فالكاتب حينما تطرق للوهم الذي يحسن بنا أن نصدقه أحيانا،
يحيلنا على ذلك النوع من الوهم الذي يقوم مقام مسكن لآلام الواقع في غياب دواء
موصوف شاف. وهو ما عرف عند ''نتشه'' بالوهم النافع حيث يقول أن الوهم هو كل ما
أنتجه الإنسان من معارف ناتجة عن رغبته اللاشعورية في البقاء بحيث تقدم له الأوهام
على أنها حقائق. ويرى ''نتشه'' أن التخلص من الأوهام صعب مع أنها قد تكون نافعة
ويمكن التعايش معها.
.
فالكاتب بهذا قد يكون قاصدا هذا النوع من الوهم متعمدا
بذلك تقديم عربون محبة وتسامح للواهمين ولربما للواقعين تحت وطأة الرياء والنفاق
أيضا، متلمسا لهم بعض العذر. لكن هذا قد لا يكون صحيحا فتكون مقولة الكاتب بذلك
تكنيكا أدبيا لاستدراج القارئ لاستقراء نفسه والإعتراف لها باستكانته للوهم أحيانا
دون الوقوع في الحرج، وبذلك أيضا يجعله يعايش القصة بنوع من التفهم ينأى به عن
الصدمة. فالاحتمالات مفتوحة هنا على مصراعيها..
وبعد كل هذا الشحن والتحفيز ينعرج بنا الكاتب انعراجة
توشك أن تفقد القارئ التوازن حينما ينطلق بنا نحو مفهومي النفاق والرياء، فيتولد
شعور تلقائي بالفضول لمطاردة الكلمات والمعاني لفهم سر الانعطاف ذاك. ليتبين
المقصود بعد ذلك من خلال المقبل من الأفكار المنسابة كشلال صاف لا صوت له.
فالرياء والنفاق يرتبطان ارتباطا وثيقا بالكذب
منبعا، مشكلين آلة حياكة لأثواب الوهم، الكير الذي أذكى جذوة السلطة. السلطة التي
جعلت صاحبها يتوق لطامة كبرى فوق الرؤوس وطموحه الساذج قد أصبح واقعا لا مفر منه
يحرسه الكذب بعد انزواء الصدق بعيدا واستحواذ النفاق والرياء على الساحة.
توافد جحافل المنافقين ألبس الوهم لباس الحقيقة
فخشي الكل تكذيبه بدوافع مختلفة استلبت الإرادات. وهنا تظهر البراءة ويظهر الطهر.
وليس تمة أبلغ من لوحة تشكيلية لهما من صورة طفل يطلق صرخة الحقيقة الهادمة للوهم،
فتدب الحياة من جديد في أوصال الحقيقة التي حاصرت الوهم.
ولكن.. أوصدت من دونه الأبواب. ولنا هنا أن نسقط كل هذا
على واقعنا العربي الذي اقتنص الكاتب لنا من أجله هذه القصة التراثية ليقدمها لنا
بهذه الروعة وليترك النهاية للمستقبل ولخيالنا إن أردنا التوقع أو الاستباق.. فقد
أوصدت الأبواب..
المدخل البصري
:
: - العنوان
العنوان هو كلمة ''وهم''، الكلمة المتعددة المفاتيح ذات
الدلالات اللغوية والفلسفية والعلمية، ما يجعلها مقبلا من المقبلات الممتازة قبل
النهل من (النص) الطبق الرئيسي. فكلمة وهم قمينة بتهييء القارئ للتجاوب مع نص
يفترض الوقوف فيه على إحدى أو بعض دلالاتها. فالوهم مرض، والوهم زيف، والنفاق وهم
والكذب وهم والوسواس وهم... فالكاتب يهيء القارئ هنا للدخول في مواجهة مباشرة
مستفزة تفرض عليه التموقع والحكم من خلال مواجهة مع الذات والواقع..
النص : -
النص الماثل أمامنا هو قصة قصيرة من المجموعة القصصية ''
سنوات العمر الهاربة'' للكاتب المتمكن الأريب عبد الرزاق عوده الغالبي.
.
يبتدئ النص بعبارة ''حسن أن يرضيك نصف ما تسمع...''
وينتهي ب''...أوصدت الأبواب'' ليكونا بذلك بمثابة مقدمة وخاتمة في غاية الجمال
والإبداع لقصة كتبت بحرفية عالية. وبذلك يعلن الكاتب إيصاد الأبواب لتفتح أبواب
العقل والقلب، الفكر والوجدان. خصوصا وأن الشكل الظاهري للقصة ينبئ القارئ بأنه
مقبل على نص كثيف يتطلب تركيزا وتحفيزا كاملا للعقل والحواس وانشغالا تاما بفقراته
السبعة الكثيفة الكلمات والعبارات والتي يتراوح عدد سطورها بين ستة وتسعة أسطر في
غياب شبه تام لجمل حوارية يلتقط القارئ أنفاسه من خلالها. فالطريقة التي كتبت بها
القصة تدل على أسلوب يعتمد كثافة المعنى مع اختصار واقتصاد في الكلمات والعبارات
ما يجعلها خالصة بحتة توصل إلى المقصود بسرد دقيق، مكثف ومشوق يستفز العقل
والوجدان ويتطلب تمعنا وتدبرا وإعمالا للفكر، وهل للأدب دور أسمى ومقصود أبلغ من
هذا؟
تبتدئ الفقرات السبعة كلها بأفعال ما عدا الفقرتين الخامسة والسادسة وهو ما
يعطي زمكانية وحركية للنص تجذب القارئ وتجعله ينغمس وينجذب انجذاب المتعطشين، خاصة
وأن القصة ثراثية يعرفها معظم القراء فيكون هذا دافعا إضافيا لاستشفاف القالب
الجديد الذي سيشكل الكاتب من خلاله قطعة تراثية معلمة. عموما النص الذي بين أيدينا
متكامل الأركان ويستحق بتفوق تصنيفه ضمن جنس القصة القصيرة كأحد أهم الأجناس
الأدبية.
- المدخل اللساني:
يعتبر اللسان مادة أولية لتحقيق كينونة النص أيا كان
نوعه، والنص الأدبي منذ كان نجد الأديب يعمل على شحنه بمقومات الجمال البلاغي
والمحسنات البديعية من صور بلاغية واستعارات ومجازات ... حرصا منه على استغلال كل
هذه المقومات مع إنتاج أنساق جديدة متميزة تخدم أهدافه وتبلغ رسالته في قالب
يرتضيه ويحقق به كيانه الأدبي.
البناء الهيكلي أو الإخباري أو الفني للنص :
1 – العنوان
:
مدخل النص، كلمة الوهم جاءت مقرونة بألف ولام في أولها
يفيدان التعريف. فالكاتب حاسم في اختياره للمعنى الدال على رسالته الواضحة التي
ترصد بثقة العلة باعتبار التشخيص أول مرحلة في العلاج.
2 -
الفكرة العامة للنص والزمكانية:
القصة لرجل السلطة الأول ''الملك'' الذي قادته نزعته
السادية السيادية ممزوجة بسذاجة منعته من التدقيق والتمحيص والتفطن لكم الرياء
والنفاق الفظيع الذي يحيط به لاتفاقه مع نزعاته النتنة إلى تصديق وهم مكشوف.
أوهموه بأن لباسا من أفخر ما يكون ولا يناسب غير عظيم في مكانته سيصنع له خصيصا.
فأحضروا ثوبا لا يراه أحد وتزاحم أصحاب صنعة الوهم يحيكونه ويخيطونه بخيوط وهمية،
لدرجة صدقت معه عين النفاق والرياء أن ما لا يرى بالعين هو موجود فعلا. جاء يوم
عرض كسوة الملك الجديدة فاصطف الناس وخرج الملك مع جلاوزة السلطة وهو يتهادى بعريه
المكسو بوهم صنعه الإفك والكذب. ولم يجرؤ أحد على رؤية الحقيقة لدرجة ظن معها
البسطاء أن لباس الملك مدسوس تحت جلده. وكما ينبلج نور الفجر من الظلام، شق صوت
طفل بريء صمت الوهم ''الملك عريان'' ليتنبه الجميع لغرابة الموقف ولتتكشف الحقيقة
ساطعة مبهرة كاشفة لتفاهة العقول المستكينة لوهم السلطة المطلقة. تنطلق ثورة
ويتفجر الموقف ويسارع الملك متدثرا بحاشيته إلى الاحتماء بقصره .
القصة تراثية عميقة المعاني تتطابق مع واقع الحال
فالتاريخ دائما يكرر نفسه حتى لكأن البشرية تتخذ مسارا دائريا يتكرر.
3 - الصراع الدرامي:
فلسفة الخير والشر هي المهيمنة على أطوار القصة، فالحرب
الدائرة بين هذين القطبين أزلية والكاتب عبد الرزاق الغالبي له تكنيكه الخاص الذي
يؤثر به على القارئ، فالجملة الواحدة عند الكاتب بأمثر من فكرة واحدة، فتحها هو
بمثابة فتح علبة من دستة من الأفكار التي تأخذ حقها من التشريح والتوضيح بطريقة
تعكس إلمام الكاتب بالجانب السيكوسوسيوجي وانسجام كتاباته مع توجهه الإيديولوجي وخلفيته
الأخلاقية. بداية يأخذ القارئ في رحلة مبهرة في وصفها للرياء والنفاق والكذب ووهم
السلطة، فيغوص به وجدانيا حتى يتوق هذا الأخير لنقيضها وهو الأمر الذي ما كان
ليتحقق بالسرد المباشر فالكاتب بأسلوبه هذا امتلك قدرة كاملة على السيطرة على
القارئ وإغراقه في حالة وانفعالية تفاعلية مع النص..
4 – العقدة:
حين يتفرد الشر بالساحة فتعلو أركانه منصة الواقع، يجتاح
السواد المشهد فيتراءى لنا كابوسا وهلوسة تشقينا، فنتوق لقبس من نور ينتشلنا من
ظلامنا. لكن الوضع سيكون خطيرا لو كنا غافلين غارقين في مستنقعه الضحل. فوهم
السلطة ونزعة رجل السلطة السادي لحب التملك واعتلاء الرقاب ومعينه في ذلك من كذب
ورياء واستكانة سطح الموقف لدرجة لا تتصور فبلغ ذروته بخروج الملك عاريا والعيون
تتابع كسوته المزعومة وكأنه ساحر سحر عيون الناس وما سحره إلا وهم ارتضوه بضعفهم..
5 - الانفراج أو الحل:
يتفجر الموقف بظهور البراءة والصدق متمثلين في طفل جرد
الموقف بعفويته من الوهم حينما صاح '' أنظروا الملك عريان.. الملك عريان'' لتنطلق
ثورة حقيقية للتحرر من الوهم الذي أوصدت من دونه الأبواب لتكون بذلك جولة لصالح
الخير لتبقى النهاية مفتوخة على مصراعيها رغم إيصاد الأبواب.
النسيج الجمالي في النص
:
1 –الأسلوب:
للكاتب عبد الرزاق الغالبي طريقته وأسلوبه الخاصين جدا
لدرجة تجعلني أحيانا أتوه بين كوني قارئا منبهرا بأسلوبه المتفرد واعتباري ناقدا.
وعزائي في هذا أن الناقد بدرجة أولى ما هو إلا قارئ متميز. فأسلوب الكاتب كثيف
الأفكار والمعاني ذو نزعة فلسفية تتطلب من القارئ تمهلا وتدبرا، مبتعدا بذلك عن
الإخبار المباشر الذي استعمل لماما. فالأحداث تصل مدسوسة بين السطور الحبلى برسائل
الكاتب العميقة التي تشبه جبل الجليد في بروز الجزء الأصغر وتماثل البراكين بما
تفجره من حمم في وجدان القارئ.
2 – السرد:
الكاتب هو السارد هنا وهو شخصية من خارج النص استعمل بهي
لغة الضاد من بلاغة وبيان وبديع جعل النص يأخذ قالبه الفني المفعم بالإيحاء
.
3 - الوصف والصور:
معرض الكاتب غني باللوحات التشكيلية والسيمفونيات
الملهمة. وأبرزها اللوحة التشكيلية التي رسمتها العبارات المعلمة، موضوعها القبضة
السوداء التي استحكمت سيطرتها على الرقاب، والعيون الجاحظة تفقد قدرتها على رؤية
الحقيقة. وسيمفونية ملهمة تغذت على صوت الرياء والنفاق لتكون الهلوسة موسيقاها
الخلفية مع أصوات آلات الكذب الحادة التي تنكأ جراح الواقع قبل أن يجتاحها لحن
الأمل الطاهر ومن خلفه كورال الثائرين.
4 - البلاغة وعلم البيان:
نقصد بها كما هو معلوم المحسنات البديعية من تشبيه
واستعارة وجناس وطباق وتورية... نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر.
الطباق:
الحقيقة - الوهم.
الجد - الهزل.
الكذب - الصدق.
تعلو - تنخفض.
الاستعارة والتشبيه:
الحال المشتعل بالرياء.
أمسى الشارع مسرحا.
هو ملح الخقيقة الوحيد.
كما الغرائز.
5 – الحوار:
غاب في النص الحوار الكلاسيكي المباشر ما عدا صرخة
الطفل: ''انظروا الملك عريان..''
6 – الشخصيات:
الشخصية الرئيسية: الملك وقيم الوهم السالبة.
الشخصيات المساعدة:
جلاوزة السلطة.
المراؤون والبسطاء.
الطفل.
الشخصية المعارضة:
الكاتب.
النظريات العلمية المستخدمة في هذا النقد:
المدخل السلوكي:
يطرح الناقد من خلاله مجموعة من التساؤلات تتيح له تحليل
النص سلوكيا.وهنا أجدني أميل إلى تحليل النص حسب المفهوم السلوكي النفسي الذي
فرضته فلسفة الخير والشر كما أشرت سابقا مجسدة في سلوكات أفراد المجتمع.وهذا
يحيلني سلوكيا على التساؤل: إن كنا قادرين على الانتصار للقيم المنسجمة مع
منظومتنا الأخلاقية، فما هي الاستراتيجية التي نستطيع من خلالها خنق ما نحارب قبل
أن ينمو من جديد بين المندسين بيننا التواقين لتقمص دور من نحارب مدججين بقدراتهم
الحربائية من نفاق ورياء ما يؤهلهم لتنصيب أنفسهم ما لا يستحقون.
المدخل العقلاني:
نقصد به تجربة الكاتب من خلال اتجاهه الفكري المؤسس على
رصيده الثقافي المكتسب سابقا من تجاربه وقراءاته. ورغم أن القصة مصدرها القصة
التراثية المعروفة فهذا لا يمنعنا من البحت عن تناصها مع إنتاحات سابقة.
وفي هذا النص الذي بين أيدينا يصلني صوت نزار قباني مع صوت
الكفل الذي انتشل الجميع من الوهم وهو يقول:
يا أيها الأطفال..
من المحيط إلى الخليح..
أنتم سنابل الآمال..
وأنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال..
ويقتل الأفيون في رؤوسنا ويقتل الخيال..
يا أيها الأطفال! أنتم بعد طيبون طاهرون..
المدخل الاستنباطي
:
في هذا المدخل يتقمص الناقد دور الكاتب أو الشاعر فيبحث
عن مواقف عايشها بثت فيه نفس الحالة الانفعالية الوجدانية ليقايس بذلك سلوكه بسلوك
الكاتب ويتلمس الدلالات والعبر التي ساقها هذا الأخير. فمعرفة الناقد بنفسه وقدرته
على فهم سلوكه هو مفتاحه لفهم سلوك الآخر. ومن هذا المنطلق يمكن أن أؤكد تطابق
تجاربي في هذا الباب مع تجارب الكاتب.
كانت عيوني تلتهم حروف الفقرات وكل حواسي وجوارحي تمتصني
من عالمي لتضعني داخل عالم ثلاثي الأبعاد في محاكاة مذهلة لأطوار القصة، فشممت
رائحة النفاق والتملق، وتابعت بعيني موكب الملك، واخترقت مسامعي صرخة الطفل
البريئة التي ما تأثرت تأثرنا وما صدقت تصديقنا وما رسمت وهما رسمناه، وعايشت
الثورة بأحاسيس ثائر. وفجأة بدأت الصورة تتماهى وتتحور لأجدني في ساحات أوطاننا
أطالع بعين الحسرة والأسف والتأسي أحوالنا والنفاق والتملق والكذب والرياء عناوين
غطت على كل العناوين. فالسلطة سلطة، ورجل السلطة مقدس لا يجوز التطاول على خطوه الذي
لا يحتمل الزلل. وهم صدقناه بين متملق ومستكين، ويوم ارتطمنا بجدار الحقيقة
واستفقنا، كانت استفاقتنا تصاحبها غفوة وغفلة. فما أوصدت الأبواب إلا لأن الوهم
الذي استيقظنا منه كانت له أعشاش وأوكار في قلوب الكثيرين الذين وجدوها فرصة
مواتية سانحة لاحتراف حرفة صنع الوهم وإتقان صنعته.
وهنا وجدت نفسي أتقاسم مع كاتبنا نفس الإحساس وأنا أنظر
بعينه التي رصدت الوباء المستشري على مستويي الحاكم والمحكوم، صاحب السلطة ومن
استحكم قبضته حول حياتهم. في الوقت الذي يصف لنا فيه وصفة خفية بين السطور للشفاء من
هذا الداء.
الخلفية الأخلاقية
:
لا يعتبر الأديب أديبا ما لم يكن حاملا لرسالة يخدمها في
إطار منظومة فكرية أخلاقية واضحة المعالم. وأديبنا القاص المهيب واضح الأفكار
ملتزم التزاما شديدا بمبادئه وأخلاقه التي يمليها عليه انتماؤه وهويته ومرجعيته
الإسلامية العربية والإنسانية، فلم يحد عن ذلك أبدا وهو يضع يده على داء الكذب
والنفاق والتملق السبب المباشر والرئيسي في مجمل عذابات المجتمع الذي يروم أديبنا
خدمة قضاياه في مهمة لتطويق الشر مستعملا في ذلك ألفاظا وتعابير لا تخدش ولا
تتنافى أبدا مع منظومة القيم.
-الخاتمة:
حينما تعرض حلية في علبتها المخملية من وراء زجاج العرض
ستعجب المشاهد لا ريب لكنه سيطلب تلمسها لتذوق صنعتها وتدقيق الرؤية ومحاولة
تثمينها وبناء حكم يتماشى مع مبتغاه. كذلك النص قد يعجب القارئ المتذوق ويستفز
الناقد لاستكشاف خباياه فيحاول فتح أبوابه الموصدة. الذرائعية ببساطة لا تجعلك
تلمس تلك الحلية فقط بل تجعلك تلبسها فيكون حكمك عليها أعمق وأكثر استحكاما. وهنا
تحضرني مقولة الروائي الأورغوياني إدواردو غاليانو حين قال
:
''أنا لا أطلب منك أن تصف
سقوط المطر، أنا أطلب أن تجعلني أتبلل، فكر بالأمر، أيُّها الكاتب!''فالقول ينطبق تماما على ما تفعله
الذرائعية، فإن كان الأديب يصف لك المطر فالناقد الذرائعي يجعلك تتبلل بالمطر.
فالشكر والتبجيل واجب هنا ولزام علينا في حق المنظر
العبقري دكتور عبد الرزاق عوده غالبي صاحب النظرية التحليلية الذرائعية
البراكماتية، والدكتور حسين أبو ليث والدكتورة عبير خالد يحيى الناقدان الذرائعيان
والأديبان الفذان أصحاب الأيادي البيضاء على فريقنا المغربي للنقد بقيادة أستاذنا
الأديب والفيلسوف والناقد عبد الرحمان الصوفي الذي نشكره بالمناسبة وكل فريق النقد
.
النص الأصلي:
''الوهــــم''
حسن أن يرضيك نصف ما تسمع، خير من أن ترفضه كلياً حتى
وإن كان وهماً تطلبه نفسك، فهو أعمق من حقيقة تجرح إحساسك ، ويستمر التهافت حول
قطب النفاق ، ويحتل الدجل الصدارة، فيرتفع صوت الكذب عالياً وهو يغزو الموقف ،
واستحكمت حلقة الفساد حول العنق حتى ضاق بالنفس، و بدأت عبارات التملق تتطاير في
الهواء، نتانة تزكم الأنوف عند هروب الصدق بعيداً، وأوصدت دونه الأبواب، وسجن مع
الحق في ظلمة موحشة....وتركت الساحة للنفاق.....
ويتوق صاحب السلطة هذا نحو طامة كبرى فوق الرؤوس ، حباً
فاق المألوف للتأنق وارتداء الأردية والملابس الجديدة، ونفخة قصور الأروقة الضيقة
الكذابة المليئة بالغدر والخيانة وحياكة المؤامرات .... دأب يتقدم على جميع
طموحاته الساذجة ، وصار هذا الدأب دبقاً يجتذب قراد الرياء وحشرات الكذب،
والالتصاق مع تزاحم عبارات الوهم والإطراء حتى تسطح الموقف كلياً تحت وطأة التظاهر
واقتنع أن ما لا يراه فعلاً هو زياً أنيقاً وجديداً، حتى تولد اليقين من الوهم
والفراغ من الملموس و خلعت منه الملابس اقتناعاً......
تفرد الوهم و التظاهر إدارة دفة الموقف، فلزم المقدمة
وأخذت الحركات الممسرحة تتجاسر بتحويل الخيال اتجاه حقيقة لا مرئية، يمسك ذيولها
النفاق المتلبس في الملابس الجديدة والمسح على الصدر والأكتاف لطرد الغبار المفترض
لتوطين قاعدة التملق التي لا تحبذ الحضور أمام العين المجردة ، ومن يجرؤ أن يشاهد
بعينه المجردة ملابساً تسكنها السلطة بقوتها و جبروتها ؟ واستمر هذا الحال المشتعل
بالرياء الى حد التصديق لدرجة أن صاحبنا لا يملك ما يستر حتى عورته، وهو المؤمن
تماماً بأن هذا النوع لملابسه المعظمة الجديدة يتطارح مع مألوفية عظمة المنصب
وتمكن السلطة
......
وكأن نفيراً يجتذب الخياطين وتجار القماش و أصحاب
الدراية والمعرفة الواسعة بالتصميم والأناقة والهندسة التجميلية في عموم جغرافية
الدولة الواسعة، واستمر التوافد نحو القصر الملكي للمساهمة بهذا المشروع المعظم
حتى أمسى القصر شارعاً مزدحماً بحركة الأفاقين والمنافقين، ومسرحاً للتعابير
والحركات الإيمائية الماسخة ، فقد مسخت الأشياء حين بارحها الصدق، فهو ملح الحقيقة
الوحيد ، كل يقوم بحركات ملفتة تدل على هوية مهنته المفترضة كذباً ويتظاهر بالجدية
المفرطة الفارغة من المعنى والجوهر المنسجم و عظمة السلطة الفارغة، التي تتنقل بين
تلك الحرف، عارية تماماً إلا من التفاهة المفترضة التي لا تدركها الأبصار، و
جلاوزة السلطة يقومون بتعجيل العاملين على الإسراع في العمل وإنجاز القطع المكملة
لتلك الملابس، واستمر هذا الحال شهراً كاملاً
.......
أخيراً، حدد الموعد النهائي للانتهاء من المشروع الجديد،
وبدأ المنادي يجوب الشوارع والإعلان عن موعد خروج عظمته أمام الشعب، في يوم يعد
عيداً قومياً لتلك الدولة ، واجتمع الوزراء مع الفنيين والمهندسين، وقرروا القيام
بتجهيزه وإلقاء اللمسات الأخيرة ليخرج غداً أمامالشعب ، عمت الحركة القصر واستمر
العمل طوال الليل، وفي الصباح تجمهر الشعب في الأزقة والشوارع والساحات العامة
لمشاهدة الملك وهو يتبختر بملابسه الجديدة ، امتلأت الشوارع بالزينة والناس.....
حضر الموعد، وخرج الملك أمام الشعب كما خلقه الله، إلا
من الوهم وسفاهة السلطة تحت هتاف الجمهور وفرحة الشعب، ولا يتجاسر أحد حتى الظن
بأن الحاكم عار تماماً ، واعتقد الكثير من البسطاء أنه يخفي ملابسه تحت جلده .....
ولم يحدث غير المألوف من قبل الشعب لبساطته وتميزه بصفة الولاء الأعمى للحاكم ....
لكن البراءة لا تعرف الرياء وفتحت العيون العمياء والأدمغة النائمة، كما الغرائز
تعين على التعايش في زمن انحسار العقل ... وقبيل انتهاء جولة عظمته ، أطلقت
البراءة صرخة الحق فوق لسان طفل :
-" انظروا الملك
عريان.....الملك عريان....!"
استيقظ الشعب من نوم عميق....!.... وانقلبت الموازين، و أصاب الحشد إعصار،
وتحركت فيه موجة ، تعلو وتنخفض وصار الجد هزلاً ، ارتبك كل شيء وزالت الغشاوة عن
العيون واستولت اليقظة على النوم وكادت العيون تخرج عن مآقيها من غرابة الموقف،
وتفاهة السلطة، وفي الحال انقلب الموقف ، وبدا الشعب بملاحقة السلطة وفتحت بوابة
الهياج على مصراعيها .....! أحاط الوزراء و الجنود بالملك و ستروه بالأغطية
المتاحة ، وأسرعوا به نحو القصر ، و أوصدت الأبوا
تعليقات
إرسال تعليق