الحوارية السردية

 

 

 الحوارية السردية

جنس سردي جديد:


ابتكار الدكتورة عبير خالد يحيي

مقدمة

لم يبق مجال لجنس جديد فقد اكتملت جميع الأجناس كما أظن، إلا بابًا واحدًا مفتوحًا على مصراعيه وهو باب البينيّة عندها، فلا يأتي من كان من ما كان, ولا شيء من العدم، إلا جنسًا من جنس بولادة شرعية على أيدي القرّاء فقط، قمت بكتابة تلك الأجناس البينية وهي جديدة في الشكل والمضمون, لكن ليست جديدة في الأصل، فقد جاء أصلها من جذر الأجناس الأصلية وكما يلي:

v    - الموقف المقالي: هو اكتشاف جديد للأستاذ عبد الرزاق عوده الغالبي وهو مزيج بين المقالة والقص القصير وعندما حاول المزج بينهما بالموقف المقالي، جاء جنس بيني رائع، ليس برأيي أنا, بل بآراء المتابعين والقراء والنقاد, فقد احتار النقاد بجنسه عند تجنيسه، حتى أفصح صاحبه عنه  حين قال: هذا ليس مقال وليس قص قصير بل هو مزج بينهما، بمقدمة مشتركة ونهاية مشتركة وموضوع مفصل على مكونات القص من تشابك سردي وعقدة وانفراج...

 

v    -المقطوعة السردية، لقد جاءت ردًّا على تجاوز السرد إسفين الموسيقى من قبل البعض من الكتاب وهذا لا يجوز أبدًا، فإذن الجنس البيني ينبع من أصل قريب له, الشعر من الشعر, والنثر من النثر، فتكون الموسيقى هي المحرم بينهما. وكانت المقطوعة السردية نتاجًا راقيًا من نص مفتوح أو خاطرة وقص قصير، وقد استخدم مبتكرها الأستاذ عبد الرزاق عوده الغالبي أسلوباً قوياً مدروساً, بحيث أعطى توازنًا بين الجنسين, ليخرج منهما جنس بيني ثالث مثير للاهتمام والإعجاب....

 

v    - الحوارية السردية : هي جنس حواري سلوكي من محفز واستجابة وسؤال وجواب, بشكل محادثة مسرحية بحوار ظاهري سردي، يحمل بين طياته التشابك السردي للقص القصير, وعقدة التشابك والانفراج, بذلك يعطينا جنسًا بينيًّا بين المسرحية المقروءة والقص القصير, بشكل حوار مستمر حتى تقره النهاية المشتركة وابتكر هذا الجنس البيني الدكتورة عبير خالد يحيي, ويحتوي على الحدود الجنسية التالية:

 

حدود الحوارية السردية الجنسية:

 

1-حوارات مدروسة من سؤال وجواب حول موضوع واحد سياسي أو اجتماعي أو أي شكل من أشكال الخطاب, أو عدة موضوعات.

 

٢-يحتوي موضوع النقاش على استفزاز يفجر في داخل الشكل الفني لتشابك سردي بصراع عنيف.

 

٣- تتوسط عقدة التشابك السردي, وتشير نحو انفراج أو محاولة الانفلات منها عن طريق الحل أو الانفراج.

 

٤-الانفراج هو الحل الذي يتخلّل الحوارات بميل سردي نحو الانفلات من شكل العقدة والاتجاه نحو....

 

٥- النهاية المشتركة التي تعطينا إخمادًا لجميع الحرائق التي ازداد أوارها نتيجة التحاور الظاهري بين المتحدثين...

 

٦- قد يكون الحديث بشكل حوار بين شخصين مؤيد ورافض لموضوع الحوارية, أو تحاور بين مجموعة من المتحدّثين.

 

٧-تكون تلك الحوارات مدروسة لغوياً وجمالياً, بحيث تعطي تفرّدًا أدبيًّا له قيمة تأثيرية في نفس المتلقي.

 

٨- تحتوي الحوارية على أسلوب مترع بالجماليات البلاغية، وسرد وجداني تشويقي كما موضح في الرسم التوضيحي رقم (17) :

 

 

 

 

 


 

 

أدناه مثال لهذا الجنس الأدبي الجميل:

 ديمقراطية الرفض

عبير خالد يحيى

خالد : " لطفًا لماذا قامت ليلى بتغيير لون ( الدردشة) من الأزرق إلى الوردي ؟

ليلى : " إن اللون الوردي هادئ ومريح للنظر "

خالد: " لكنه لون أنثوي,  وأعتقد أن الشباب لن يستسيغوه"

ليلى :" ولماذا ؟ أما كان الرجال قبل قليل يتناقشون معنا نحن النساء بأمور الطبخ والمأكولات اللذيذة ؟ أم أن الموضوع هناك ليس أنثويًّا؟!

خالد : " ههههه موضوع الطبخ يتعلّق بالبطون, أي يتعلّق بالرجال تعلقًا إلتحاميًّا"

ليلى :" فإذن من حقنا نحن الصبايا أن نطرح مواضيعنا الناعمة أيضًا, واللون الوردي يروق لنا جميعًا معشر النساء".

خالد :" هذا استبداد .. يا ليلى ! أقلها كنت اطرحي الموضوع للمداولة, نتناقش ونتفق كما نفعل عادة ".

محمود : " حسنًا حسنًا, ما رأيكم أن يكون لكل فرد هنا صلاحية تغيير اللون, لكل واحد الحق بتثبيت اللون الذي يختاره لمدة أسبوع, هاه ..ما رأيكم ؟"

خالد :" حسنًا, الجميع أرسل إشارة الموافقة ".

محمود :" حسنًا, أيها الأصدقاء ( الفيسبوكيون ), ما رأيكم أن يكون موضوع نقاش الأمسية مستمدًّا من جدالكم هذا ؟  

نتحدّث عن الديمقراطية".

علي : " وهل الحروب التي تعسكر في بلادنا إلا نتيجة حتمية لفقدان الديمقراطية  فيها ؟"

 خالد: " آاااااه ، الديمقراطية هذا المطلب الغالي كم تتوق نفسي لرؤيته سيّدًا متربّعًا على عرش كلّ الحكومات العربية، أم أننا نحن العرب قد تم تحصيننا ضده....؟!"

غالية :"مساء الخير, موضوع شيق"

ليلى : " أهلًا غالية, نعم وأنت تستهويكِ هذه المواضيع ".

 غالية:" نتحدّث عن الديمقراطية ؟ ونسعى إليها كمطلب حلم ؟ وهل نعرفها حتى نضعها هدفاً نصب أعيننا ؟ هل خبرناها يوماً ؟  كيف نمجّد ما لم نخبر ونحن بالأساس أعداء ما نجهل ؟"

خالد : " نعم لم نخبرها ، لكننا سمعنا عنها ورأينا أثرها على غيرنا، الغرب ! مااااا أسعدهم ! ليت لنا مثل ما لهم "

غالية: " وهل كافحنا مثلهم؟ هل بحثنا مثلما بحثوا ؟

هل أخلصنا مثلما أخلصوا ؟

 هل قلّبنا الديمقراطية على كلّ وجوهها وقبلنا أو عدّلنا فيها ؟"

محمود :"ما بك غالية، لم تقولين هذا ؟ هل تستكثرين على الجائع أن يحلم بكسيرات خبز يابس ؟"

غالية : " محمود أنت قلت ( يحلم ) وهل يكفي أن يحلم الفقير بكسرة خبز حتى يشبع ؟

هذا إذا سُلّمتُ معكَ أن كسرة الخبز يعرفها الفقير لذلك يحلم بها، أمّا الديمقراطية فمااااا رأيناها قط، كيف نحلم بها ؟"

علي :" وما التصّرف برأيك ؟ هل نرى غيرنا يتسابق إليها، ونقف نحن قابعين في عتمتنا نلعن الظلام ؟

لا نرى السعادة لكننا نحلم بها، أقول لكم هيّا قوموا فالوقت يدركنا ".

غالية : لا نرى السعادة الآن لكننا رأيناها في ماضي الأيام، بنجاح، بولادة حياة...

إلى أين نذهب ؟ هل تعلم أينها؟ أم  نسير إليها في اللّا اتجاه ؟ علينا أن نعرفها أولًا ونعرف لماذا لم تتبدَّ لنا خلال عهود منصرمة، هل لها مقوّمات وجواذب ؟ هل هناك شروط لوصولنا إليها أو لوصولها إلينا ؟"

محمود : " غالية، هل لاحظتِ أنَّ القوم غادروا وكانوا قبلًا يزحمون ساحة النقاش...؟"

غالية :" لأنهم يخافون الخوض بالمواضيع الكبيرة، ويظنّون أنها سبب البلاء, الكلمات الكبيرة التي تنتهي بياء النسب المشدَّدة والتاء المربوطة تشكّل عامل ذعر لمعظم العرب، يلوح من ورائها دائماً سجون الحكام ومعتقلاتهم، لذلك علينا مناقشة الآفات السائدة أولاً، ثم نسعى إلى ما يتراكض إليه من سبقنا فكريًّا وحضاريًّا ".

محمود : " غالية، على هذا المنوال سنقضي ما تبقّى من أعمارنا- ويمكن أن نتوفّى - من دون أن نشمّ رائحة الديمقراطية ."

غالية : " أسألك سؤالًا، هل تقبل بديمقراطية الرفض ؟"

محمود : " ماذا ؟ لم أفهم "

غالية : " الفتاة التي تُزوّج قصرًا، وإن رفضت لعنها اللاعنون واتهموها بكلّ صفات العصيان والتمرد وغضب الله عليها لأنها لا تمتثل بالطّاعة لوليّ أمرها ...

المطلقة التي قالت ( لا ) ومارست حقًّا شرّعه لها الشارع وإن كان أبغض الحلال ، هل يتركها الناس بحالها ؟أم أن ألسنة السوء تبدأ بلوكها ولو كانت من الصالحات ؟"

محمود :" بموضوع تزويج القاصر معك حق، فتياتنا في بعض البلدان ما زلن كأنهن الرقيق في سوق النخاسة، يحصد الآباء بعدها علقم الشّيح الذي زرعوه، أمّا بالنسبة للمطلّقة، كان عليها الصّبر من أجل الأولاد وعماد الأسرة، وحفظ العشرة، لأنّ في إصرارها على ( لا )  أنانية واضحة ".

غالية :" أنانية واضحة ؟! يوم جاءت زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت زوجة زيد بن حارثة أو زيد بن محمد كما كانت كنيته قبل أن يحرّم الإسلام التبني، أخبرت الرسول أنها لا تعيب فيه خلقاً قط ! لكنها لا تطيقه، وجاء أمر طلاقها من رب العالمين بآية واضحة، لم يسألْها الشارع عن الأولاد، أو عن أي أمر يتعلّق بالبيت والأسرة، هي فقط لا تطيقه, وخافت على دينها, ولم تشأ أن تصبر، حق الله الذي أولاه للزوجين عند عدم تقبّل أحدهما للآخر، هذا حق ديمقراطي رافض، هل مجتمعنا مستعد للقبول به احترامًا للمطلقة من غير أن تلوكها الألسنة وتترصّدها الأعين ؟"

محمود : " أذهلْتني !".

غالية : " ابنك الذي يهوى خطًّا معيَّنًا في دراسة أو عمل أو ارتباط، يخالف الخطّ الذي ترسمه له، أفلا تقيم الدنيا وتقعدها إن قال لك ( لا).. أريد غير ما تريد ؟

أليست هذه ديمقراطية رفض ؟ هل تقبلها ؟ وإن قبلتها هل تقبلها راضيًا أم على مضض ؟!"

محمود :" أنصحه وعليه أن يقبل النصيحة ".

غالية : " تنصحه نعم، وله أن يقبل أو لا، وليس عليه ..

الحاكم الذي يتجاوز على شعبه، ولا يقبل إلّا ب (نعم )، أين هو من أحد الخلفاء عندما قال : ولّيت عليكم ولست بخيركم إن أصلحت فأعينوني وإن أخطأت فقوّموني؟!

محمود نحن شعوب خائفة ..يحكمها العنف والإرهاب والعيب والجاهلية ...

تهرب منها الديمقراطية ملايين ..ملايين السنوات الضوئية، عدوّنا الخوف والجهل والفقر, متى قضينا على الثلاثة، سعت إلينا الديمقراطية تترجى منّا قبولها ...

محمود .... محمود.... محمود أين أنت ؟!"

 

 

 

 

 

تعليقات

مشاركات شائعة

جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح عنوز الشعرية الكاملة بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية "مشاهد" للكاتب المصري شريف التلاوي بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي

الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية لديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» لـلشاعر المغربي سعيد محتال بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

سرد الاغتراب والبحث عن المعنى قراءة ذرائعية في رواية ( منروفيا ) للكاتب المصري أحمد فريد مرسي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

تجليات أدب الخيال العلمي في المجموعة القصصية / تشابك سرّي/ للقاصّة المصرية غادة سيد دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم د. عبير خالد يحيي

المشاركات النقدية الذرائعية

كبوة الريح/دراسة نقدية ذرائعية

مؤلف عبد الرحمن الصوفي

الشعر الحر وتمثّلات الدعوة لأغراض شعرية جديدة - دراسة ذرائعية مستقطعة في قصائد للشاعر العراقي وليد جاسم الزبيدي من ديوان ( مرايا الورد) بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبيرخالد يحيي

جرأة التجريب ولعبة الميتاسرد في رواية ( لو لم أعشقها) للأديب المسرجي والروائي المصري الكبير السيد حافظ - دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة السورية الدكتورة عبير خالد يحيي

قداسة المكان و تحليق الذّات الملتهبة

التوازي في الدلالات السردية - دراسة ذرائعية باستراتيجية الاسترجاع في رواية ( بغداد .. وقد انتصف الليل فيها) للأديبة التونسية حياة الرايس - بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي

قصيدة ترميم الروح

قصيدة النثر العربية المعاصرة

أدب الغزو من منظور ذرائعي

تعبير رؤية