الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني في ذكرى وفاته
الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني في ذكرى وفاته
بقلم
الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي
مما لا ريب فيه, أن الشاعر اليمني عبد الله البردوني كان
شاعرًا كبيرًا واستثنائيًا بكل المقاييس, يتربع مع الشعراء الكبار, مثل الجواهري
والبياتي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم, على سدة الشعر العربي الكلاسيكي, إلّا
أنه امتاز عنهم بأنه كتب القصيدة الكلاسيكية باتجاه مغاير للمألوف, منفتح على
العصر. لقد حافظ على بنية القصيدة الكلاسيكية, لكنه خرج عن أغراضها التقليدية, فلم
يمالئ السلطة, لم يمدح ولم يهجو, وإنما حمل على عاتقه مهمة التنوير, وحثّ الشعب
على مجابهة طغيان الحكّام, والسعي نحو الحرية والديمقراطية, استخدم أسلوب السخرية
والتهكم في أعماله الشعرية والنقدية, وحفر اسمه عميقًا في الذاكرة اليمنية بنقده
الساخر من السلطة السياسية.
لا شك أن للبردوني يد بيضاء على الشعر العربي بالعموم,
والشعر اليمني بالخصوص, وقد رصد النقّاد الذين اشتغلوا على أدبه ودرسوا قصائده, العديد
من السمات الأسلوبية التي تفرّد بها عن غيره, منها اللغة الشعرية التي انتقى
ألفاظها من البيئة المحلية اليمنية, فيذكر في قصائده أسماء مناطق وأحداث وعادات
وتقاليد وأمثال شعبية يمنية, ويضعها ببراعة فصيحةً في سياق النص الشعري, كما أن
نصوصه الشعرية زاخرة بالرموز الإنسانية, ما ساهم في توسيع الأفق الثقافي للمتلقي,
من خلال تحفيز القارئ على تقصّي مدلولات تلك الرموز, عدا عن اعتماده على أسلوب
المفارقة الذي يكسر أفق التلقي, ويجبر المتلقي على استشفاف كل الدلالات السردية
التي يلقيها الشاعر في نصه الشعري, فهو شغوف بالتجريب إلى حد كبير, وله مقدرة
فائقة على استشراف المستقبل بما تتيحه رؤيته لطبيعة المرحلة الراهنة.
ومؤكد أنه علامة فارقة في الشعر العربي المعاصر, رغم أنه
لم يخرج من تحت عباءة القصيدة العمودية, إلا أنه استطاع ترويضها فتقبّلت معطيات
الحداثة في بنيتها الشعرية وفي البؤرة الفكرية, حيث جدّد في أغراض الشعر مدرجًا
قضايا المعاصرة للمجتمع العربي بالعموم واليمني بالخصوص, في قالب القصيدة الخليلية
التي بقى مخلصًا لها, جامعًا بين الأصالة والمعاصرة, متميزًا بذلك عن الكثير من
أنداده من شعراء عصره.
ومعروف أن البردوني شاعر تهكمي ساخر, وقد تجرأ على العبث
في بنية القصيدة الساخرة في الأدب العربي عمومًا, واليمني خصوصًا, كيف ذلك؟ من
خلال إشباع قصيدة الفصحى بهذا الفن التهكمي الساخر, الذي كان إتقانه محصورًا, عبر
التاريخ اليمني بالذات, بالقصيدة العامية أو بالقصيدة الوسطية المهجنة من فصحى
وعامية.
من خلال شعره الثوري, استطاع أن يجمع الشعب اليمني حول
معاناته المشتركة, من الديكتاتورية والفساد والظلم والتجهيل والإفقار, كتب عن
أحلام البسطاء وأحزانهم, وآلام المسحوقين والمهمشين, وتعتبر قصيدته (حين يصحو
الشعب) دعوة مباشرة لانتفاضة ثورية وشعبية صريحة في وجه السلطة الحاكمة لبناء دولة
حديثة تضمن حقوق أفراد الشعب في ظل حكم ديمقراطي, تكون فيه السلطة للشعب بكل
أطيافه القبلية والعقائدية.
وكيف لا يكون تأثّر الشعراء الجدد بالبردوني ظاهرة
إيجابية, وهما, عبدالله البردوني, وعبد العزيز المقالح, يستحقان وبجدارة لقب (شاعر
الأمة), وكلاهما, رسما الصورة المشرقة
للشعر اليمني, وأكسباه خصوصية مميزة في الساحة الشعرية العربية, الأول مجدّد في
عمود الشعر, والثاني مجدد في شعر التفعيلة, إلا أن الشعراء الجدد كانوا يتوقون إلى
تبني كل ما هو حداثي, ورفض كل ما هو كلاسيكي, ووجدوا في قصيدة النثر ضالتهم,
فانكمشوا عنه, إلى وقت ما, ولكن قراءة في الحاضر اليمني, مع الوقوف على الصراع
العسكري والفكري الأيديولوجي الحتمي عند المثقفين اليمنيين, جعل البردوني ما يزال
مؤثرًا بحضوره العابر للمحلية, كما أن صوته القوي والمغاير أكسب قصيدة العمود
مرجعية استثنائية.
مرسين
_ تركيا
9/ 9/ 2021
تعليقات
إرسال تعليق