سيكولوجية الشعر العربي

 

ســـيـكولــوجيــــة الشـــــعـر العــــربـــي

بقلم : د. فـالـــح الكيـــــــــلاني

العراق



من المعلوم أن الأدب وخاصة الشعر لم يعد الفن الوحيد الذي يستمتع به الناس في الوقت الحاضر . والسيكولوجية تعني العلم النفسي أو ما يداخل هذه النفس من فنون تقترب إليها في أصولها فتؤثر فيها سلبًا أو إيجابًا لذا كانت السيكولوجية محورًا لمنهج البحث في شتى نواحي المعرفة النفسية وفنونها .

وهناك الكثير من الفنون المختلفة والسبل الكثيرة مثل السينما والمسرح و التلفزيون ثم الأنترنيت الذي قلب موازين المعرفة وغاص في كلها . وكذلك المطالعة مثل القصص والروايات والخاطرة والمقالة وكل هذه الأمور تدخل في إضعاف أهمية الإقبال على الشعر وتوزيع مساحة المتعة بين الناس, بحيث أصبحت فرص التمتع والمؤانسة كثيرة, فلم يبق للأدب الحصة الواسعة التي كان يحتلها في الماضي . وهذه الأمور طبيعية فإذا تشعبت وكثرت روافد المتعة النفسية في عدة أفانين, فالناس تتوزّع عليها كلّ حسبما يشعر به كل منهم إزاء هذه الحالة أو تلك, و كل حسب رغبته وما ترتاح إليه هذه النفوس.

وأستطيع القول أن الشعر من بين روافد الأدب بحد ذاته, قد تطور وأصبح أشكالًا عدة في العالم العربي, فإذا كان الشعر العمودي هو الأساس الأول للشعر العربي فقد استحدث الشعر الحر , وهو شعر موزون سمّي (الشعر الحر ) أو (شعر التفعيلة ) لتحرّره من القافية حيث ينظم على بحور ثابتة في تفعيلة معينة, وقد حدّدت هذه البحور بسبعة بحور هي البحور الحرة والمتكوّنة من تفعيلة واحدة أصلية تتكرّر في السطر الواحد عدة مرات, وسمّي هذا النوع من الشعر حرًّا لكون تفعليته حرة أصلية, أو لكونه تحرّر من القافية فأصبح حرًّا .
و كذلك وجد الشعر المنثور أو وجدت ( قصيدة النثر ) وهذه القصيدة تكون مفتوحة من دون تقييد من الوزن أو القافية, أو بمعنى آخر إن موسيقاها تكاد تكون تضرب في كل الاتجاهات الفنية, بحيث تمثل لغطًا موسيقيًا وليس سلمًا موسيقيًا, وأصبح كل من يكتب كلمات ويرتبها تحت بعضها ربّما يقول أنه كتب شعرًّا نثريًّا, فقد ضاعت كل مقاييس الشعر , إذ ان للشعر مقاييس خاصة حسب تذّوق الشاعر أو المتلقي إلا أن هذه القصائد – قصائد النثر - لا تخلو من مقطوعات غاية في الروعة والفنية والجمالية وفقًا لثقافة الشاعر وقوة شاعريته . فالقصيدة الشعرية, سواء كانت عمودية تقليدية أو (تقييدية ) تقيّد الشاعر بالوزن الشعري والقافية, أو قصيدة تفعيلة تلتزم بتفعيلة واحدة, أو قصيدة نثر فقد تبقى حاضرة ومهمة ومفضّلة لجماليتها ولرقّتها, أو لقربها من قلب الشاعر أو المتلقي.
شعراء العصر الحديث, أو الشعراء المعاصرون أنشدوا للحياة العربية في كل عناصرها, واحتياجاتهم مرورًا بالشعر الوطني أو السياسي الذي أنشد للوطنية وما يعتمل في نفسية الشاعر أو نفسية المتلقي, وغرس روح المواطنة, وتفعيل القضية العربية وتحرير الأجزاء التي لا زالت تحت ظلم الاستعمار الأجنبي, أو الحكام المستبدين من الذين يحكمون بلدهم بالإكراه, وبعث القضية العربية في النفوس والأفئدة, وشحذ الهمم في هذه القضية, وكثير هم الشعراء الذين كتبوا أو أنشدوا في هذه الأمور, حيث تطغى على قصائدهم الثورية والوطنية وتحتل المكانة الأولى في الشعر العربي في الوقت الحاضر أو المعاصر وفي المستقبل . وهناك, من هذه الأمور, يتفرّع شعر النكبة, والمقال بها الشعر الذي قيل في نكبة فلسطين منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن, وأستطيع القول أن كل الشعراء العرب قالوا في هذه القضية وأنشدوا لها وتغنّوا بها لقربها من كل القلوب والنفوس العربية المناهضة للا ستعمار من الغزاة والطامعين .
ولا نخرج عن الموضوع إن قلنا أن الشعر يمثّل الحياة الإنسانية في هذا الوقت أفضل تمثيل, وما يقوله الشعراء هو ما ينفعل في نفوسهم و قلوبهم فيفيض عنها شعرًا رائعًا, فيدخل في قلوب المتلقّين لهذا الشعر بمختلف فنونه, فيتأثّرون بما يقرأون منه, بما في ذلك الغزل أو شعر الحب, وهو الأغلب, ويأتي من بعده الشعر السياسي أو شعر الأحداث اليومية, ولو اطلع أحدنا على الصحف أو المجلات أو شاشات التلفاز أو الانترنيت عبر النت أو الفيسبوك, لشاهد آلافًا من القصائد العمودية, التي كانت أساسًا للشعر العربي, وقصائد في الشعر الحر التي استحدثت في منتصف القرن الماضي, وقصائد في النثر أو ما يسمّى - الشعر المنثور - والتي وجدت في نهاية القرن العشرين, وبالتحديد في الثمانينات من القرن العشرين, والتي انتشرت انتشارًا واسعًا في الوقت الحاضر لسهولة نظم القصيدة, بسبب تخلّصها من الوزن والقافية, أو البحر والموسيقى الشعرية, في السنوات الأخيرة بين الشعراء الشباب, وأخذ يكتب فيها كل من هبّ ودبّ ويسمي نفسه شاعرًا, وخاصة بعد ظهور وسائل الإعلام المرئية ووسائل النشر السريعة وكثرتها .

ومن هنا يتضح أهمية الشعر المعاصر من أنه شغل مساحات واسعة ومستحدثة من اهتمامات الشباب, سواء الشعراء أو الكتاب أو المتلقين, ومن بين هذه النتاجات وجدت نتاجات ذات قيمة أدبية عالية لشعراء هم قمة في الإنتاج الشعري في كل الأقطار العربية, ممن برزت أدواتهم الفنية ظاهرة بينة وتأثّروا بما حولهم, وربما بعضهم بالثقافات الأجنبية, وتأثّر بعضهم ببعض ثقافيًّا وأدبيًّا وحضاريًّا. ممن تجد في شعرهم مسحة من الجمال والخيال ورسم الصور الشعرية الرائعة التي هي أهم عناصر القصيدة الشعرية مهما كان نوعها, وهذا هو الشعر الذي يحمل في طياته أكثر المضامين الإنسانية روعة وجمالًا وائتلاقًا .
.

د . فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلــــد روز

تعليقات

مشاركات شائعة

جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح عنوز الشعرية الكاملة بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية "مشاهد" للكاتب المصري شريف التلاوي بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي

الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية لديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» لـلشاعر المغربي سعيد محتال بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

سرد الاغتراب والبحث عن المعنى قراءة ذرائعية في رواية ( منروفيا ) للكاتب المصري أحمد فريد مرسي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

تجليات أدب الخيال العلمي في المجموعة القصصية / تشابك سرّي/ للقاصّة المصرية غادة سيد دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم د. عبير خالد يحيي

المشاركات النقدية الذرائعية

كبوة الريح/دراسة نقدية ذرائعية

مؤلف عبد الرحمن الصوفي

الشعر الحر وتمثّلات الدعوة لأغراض شعرية جديدة - دراسة ذرائعية مستقطعة في قصائد للشاعر العراقي وليد جاسم الزبيدي من ديوان ( مرايا الورد) بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبيرخالد يحيي

جرأة التجريب ولعبة الميتاسرد في رواية ( لو لم أعشقها) للأديب المسرجي والروائي المصري الكبير السيد حافظ - دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة السورية الدكتورة عبير خالد يحيي

قداسة المكان و تحليق الذّات الملتهبة

التوازي في الدلالات السردية - دراسة ذرائعية باستراتيجية الاسترجاع في رواية ( بغداد .. وقد انتصف الليل فيها) للأديبة التونسية حياة الرايس - بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي

قصيدة ترميم الروح

قصيدة النثر العربية المعاصرة

أدب الغزو من منظور ذرائعي

تعبير رؤية