السرد والأسلوب في القص

 


 

السرد والأسلوب في القص

بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي




السرد هو أسلوب من الأساليب المتّبعة في القصص والروايات وكتابة المسرحيات، وهو أسلوب ينسجم مع طبع الكثير من الكتّاب وأفكارهم بسبب مرونته، ويعدّ أداةً للتعبير الإنساني، ويقوم الكاتب بترجمة الأفعال والسلوكات الإنسانية والأماكن إلى بنى من المعاني بأسلوب السرد، وبذلك يكون الكاتب قد قام بتحويل المعلومة إلى كلام مع ترتيب الأحداث. ليس المقصود هنا الكلام غير المنتظم الذي لا يوجد فيه ترتيب للأحداث، أو ذلك الذي فيه انعدام للانسجام بين كلماته وجمله ومعانيه.
وفي السرد تتلاشى الحاجة لشرح أفكار أو لتلخيص المراد أو إعطاء مواعظ، وذلك لأنّ السرد يظهر كل ما هو مراد، وإن حصل ذلك فهو زيادة وحشو لا فائدة منه، بل قد يُسبّب ضعفاً لهذا الأسلوب، وله تأثير سلبيّ على بُنية النص وتركيبته. للسرد صيغ متنوّعة؛ حيث يمكن أن يُروى شفهياً أو كتابةً، أو أن يكون عن طريق الصور والإيماءات، ويكون أيضاً بصيغٍ أخرى.
أشكال السرد:
يُصنّف السرد بأنه نشاط زماني يوضّح كيفية إدراك السّارد للوقائع بالاستناد على محور الزمن؛ فإذا كان الزمن متصلاً بحلقات متتالية متسلسلة، فإننا نجد أنّ الزمن يسير بنظام يسمح بتداخل الأحداث والتوائها، ولهذا يُصنّف الزمن عنصراً أساسياً عند دراسة السرد لتمييز بين أشكاله المختلفة، والتي تُقسم إلى ما يأتي:
• السرد المتسلسل: وهو السرد الذي يقوم على نظام خطي واضح ضمن تصوّر الزمن، إذ يعتمد السارد على التدرج في وقوع الأحداث، فيسرد الحدث الأول، ثم ينتقل إلى الحدث الثاني، والثالث وما بعده، وهكذا دواليك بالترتيب حتى نهاية الأحداث.
• السرد المُتقطّع: يُبنى على مخالفة التسلسل المنطقي لوقوع الأحداث، إذ يبدأ السارد في تقديم الحكاية من آخر الأحداث، ثم ينتقل بعدها إلى أول حدث، مُعتمدا على تقنيات كتابية متعددة، مثل: القذف، والاسترجاع، والتلخيص، والوصف وغيرها.
• السرد التناوبي: تُحكى بواسطته عدد من القصص المتناوبة، فتبدأ قصة وتتلوها أخرى، ثم تعود القصة الأولى ونعود إلى الثانية مرة أخرى، وهكذا. ويشترط في هذا الأسلوب السردي وجود قواسم مشتركة بين الشخصيات والأحداث، وهذا السرد غالباً ما يكون مستخدماً في المسلسلات التلفزيونية.
• (السرد المفصّل)، ويكون ذلك بوضع كلّ التفاصيل في السرد دون اختصار،
• (السرد المجمل)، وفيه اقتضاب للأحداث، ويكون التركيز فيه على الأحداث الأساسيّة والتي تكون هادفة،
طرق السرد فهي:
• السرد الذاتي،
• السرد المباشر،
• سرد الوثائق (المذكّرات والاعترافات).
السرد هذا المفهوم الأدبي المتّصل بالنثر، والسرد الثمرة التي نتجت بعناية الكاتب لفكرته، هذا الأسلوب أسلوب الرسالة الإنسانيّة الأبرز لدى الكتّاب والأكثر استمتاعاً لدى القرّاء، ولهذا الأسلوب أهميّة كبيرة في الأدب، وقد كثُرت الأساليب المستخدمة في الأدب، لكن المهم هو الكاتب المبدع الحقيقي الذي أعطى لأسلوب الكتابة معنىً من خلال ما يقوم بإظهاره لما يجوب في نفسه.
أنواع السرد:
يُقسم الأسلوب السرديّ إلى ثلاثة أقسام: (2)
• من زاوية المتكلم، أي ناقل الخطاب اللغوي: وهو الأسلوب الكاشف عن فكر صاحبه ونفسيته. يقول أفلاطون: كما تكون طبائع الشخص يكون أسلوبه. ويقول جوته: الأسلوب هو مبدأ التركيب النشط، والرفيع، الذي يتكّمن به الكاتبُ النفاد إلى الشكل الداخلي للغته، والكشف عنه.
• من زاوية المخاطَب، أي المتلقي للخطاب اللغوي: وهو أسلوب الضغط الذي يتلقّاه المُخاطَب، يقول ستاندال في تعريف هذا الأسلوب إنّه: الأسلوب هو أن تضيف إلى فكر معين جميع الملابسات الكفيلة بإحداث التأثير الذي ينبغي لهذا الفكر أن يحدثه.
• من زاوية الخِطاب، وهي الطاقة التعبيرية الناجمة عن الألفاظ اللغوية المُختارة. وعرّفه ماروزو بأنّه اختيار الكاتب، ما من شأنه أن يخرج بالعبارة، من حالة الحياد اللغوي، إلى خطاب متميز بنفسه.
تتعدّد الأساليبه:
من ناحية الموضوع أيضاً، وبهذا يمكننا تقسيمه إلى ثلاثة أنواع أخرى، وهي:
• الأسلوب البسيط : لكتابة الرسائل بذلك الأسلوب الأول لكتابة الرسائل
• الأسلوب المعتدل: لكتابة التاريخ
• الأسلوب الجزل :لكتابة للمأساة.
إلا أن الأنواع الأدبية الحديثة، كالرواية، والمسرحية الاجتماعية، تشمل عدة أساليب كتابية بطريقة ناجحة.
خصائص السرد:
يعتمد السرد بأنواعه على عدّة مقوّمات تُشكّله، وتميّزه عن باقي النماذج الأخرى، منها:
• يعتمد على مؤشرات زمانية ومكانية، فارتباطه بالزمان يبني حافز التشويق، ويحدّد الأحداث ويُرتّبها، فالزمان والحدث توأمان لا ينفصلان.
• اشتماله على روابط معينة تساعد على شبك الأحداث معاً وتربطها بالطريقة التي يريدها السّارد، مثل: بعد ذلك، قبل ذلك، ثم، وغيرها.
• تدرّج الأحداث وتشكّلها عبر ثلاث مراحل أساسية: أحداث أولية، وأحداث طارئة، وأحداث نهائية.
• تناسب استخدام الأفعال مع الزّمن المناسب في الوقت المناسب، فيأتي الفعل الماضي مع الأحداث المنتهية، والفعل المضارع مع الأحداث التي تُروى حالياً.
الأسلوب
علينا أن نميز بين مفهومين رئيسيين ونحن نتحدث عن الأسلوب الذي ينتهجه الكاتب في كتابة نصوصه هما :
الاستراتيجية : وهي طريقة الكاتب في الكتابة التي تحدد لنا درجة اتقانه لاستخدام أدوات الكتابة بحرفنة, بمعنى أنها مدى حرفية الكاتب ومهارته في استخدام لأدوات الكتابة .
أما التكنيك: فهي الطريقة التي تميّز الكاتب عن الكتّاب الآخرين, لدرجة أنه يتفرّد بخصوصيّته, كإمضاء أصبع الإبهام ( بصمة).
ما يجب على الكاتب أن يحرص عليه ليكون كاتباً له تكنيكه الخاص به :
1- يحرص على استخدام العمق الأدبي بصورة صحيحة, أي يكتب باستخدام مفردات مدروسة غير مباشرة, تقذف من خلف جدار القص.
2- يمتاز كل كاتب بأسلوب مقتبس من مدرسة معينة, أو مزيج من عدة مدارس, كأن يكون أسلوب رومانسي أو رمزي أو واقعي أو واقعي اتباعي( فلسفي).
3- يجيد استخدام الانزياح في الأسلوب العميق : حيث أن الأسلوب العميق يسير باتجاه الانزياح مبتعداً عن المباشرة في التنصيص بطريقتين : - انزياح نحو الخيال
-انزياح نحو الرمز
4-هناك أساليب عميقة تستخدم فيها مزيج من المذاهب, كأسلوب الخطف, وهو الأسلوب الذي تُدرس فيه الجملة , وتُكتب بدرجة انزياح عالية لرسم صورة أدبية دقيقة جداً, هنا مثلاً يستخدم الكاتب الرومانسية البرناسية معاً( الفن للفن)
5- هناك نوعان من الأسلوب , الأسلوب الأدبي كما تقدّم, والأسلوب الصحفي .
6- يمتاز الأسلوب الأدبي برسم الصورة الأدبية كما يرسم الرسام بالفرشاة, وكما يعزف الموسيقي نوطته بالأنغام, وهي الحالة الحديثة التي جعلت الأدب يدخل عالم الفنون.

تعليقات

مشاركات شائعة

جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح عنوز الشعرية الكاملة بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية "مشاهد" للكاتب المصري شريف التلاوي بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي

الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية لديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» لـلشاعر المغربي سعيد محتال بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

سرد الاغتراب والبحث عن المعنى قراءة ذرائعية في رواية ( منروفيا ) للكاتب المصري أحمد فريد مرسي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

تجليات أدب الخيال العلمي في المجموعة القصصية / تشابك سرّي/ للقاصّة المصرية غادة سيد دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم د. عبير خالد يحيي

المشاركات النقدية الذرائعية

كبوة الريح/دراسة نقدية ذرائعية

مؤلف عبد الرحمن الصوفي

الشعر الحر وتمثّلات الدعوة لأغراض شعرية جديدة - دراسة ذرائعية مستقطعة في قصائد للشاعر العراقي وليد جاسم الزبيدي من ديوان ( مرايا الورد) بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبيرخالد يحيي

جرأة التجريب ولعبة الميتاسرد في رواية ( لو لم أعشقها) للأديب المسرجي والروائي المصري الكبير السيد حافظ - دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة السورية الدكتورة عبير خالد يحيي

قداسة المكان و تحليق الذّات الملتهبة

التوازي في الدلالات السردية - دراسة ذرائعية باستراتيجية الاسترجاع في رواية ( بغداد .. وقد انتصف الليل فيها) للأديبة التونسية حياة الرايس - بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي

قصيدة ترميم الروح

قصيدة النثر العربية المعاصرة

أدب الغزو من منظور ذرائعي

تعبير رؤية