قراءة انطباعية في رواية ( ألف شمس مشرقة ) للكاتب الأفغاني الأمريكي خالد الحسيني

 


للناقدة الذرائعية اللبنانية صفا شريف

رواية تعتبر تأريخا لتاريخ معين مرت فيه افغانستان، وصّف فيه الراوي حالة الشعب، وما مرّ به من ظلم  في ظل الثورات والحروب المتتالية، مع إلقاء الضوء على الحالة الاجتماعية والفكرية والنفسية لهذا الشعب .

بداية من العنوان: ألف شمس مشرقة، الشمس هي واحدة في الأصل، وهي ترمز إلى الحرية، وهنا هي ألف شمس، وسنرى في نهاية الرواية ماذا قصد بها الكاتب؟

ابتدأ روايته متحدثا عن المرأة مصورا كل الحالات التي تمر بها : من ظلم واغتصاب واحتقار، وأكل للحقوق..

مسلطًا الضوء على شخصيتين من النساء.:

١_.فتاة تربت في فقر وعدم وكانت ولادتها نتيجة لاعتداء، لم تأخذ شيئا من حقوقها الشرعية: النسب، العلم ، الكرامة.

٢- فتاة تربت على الحرية والعلم والانفتاح، كانت ابنة لأسرة عريقة ومثقفة مكونة من أب متعلم وأم راقية ورقيقة.

انطلق الكاتب في سرده عن هاتين الفتاتين وقصة حياتهما في مسارين مختلفين، إلى أن شاء القدر وبفعل الحروب التي لا ترحم، والتي تسلب الإنسان كامل حقوقه وتبقيه جائعًا لاحثًا للبحث عن أدنى حقوق العيش: الطعام والكرامة ... ، أن تلتقيا في أبشع ظروف الحياة، للتساويا تحت ظل زوج ظالم، وتتقاتلا بداية مع اختلاف مبدأ كل منهما في الحياة:  ف( مريم) التي زُوجت إلى رجل في عمر والدها وهي مازالت طفلة، كانت تدافع عن زوجها رغم كرهها له، وذلك لأسباب عدة، بينما ( ليلى) الفتاة الحرة التي خسرت بفعل الحرب عائلتها وحبيبها، كانت تدافع عن نفسها وطفلها الذي في أحشائها ظنًا منها أنها ستحصل على الأمن والآمان مع هذا الرجل الذي شكل نقطة التشارك بينها وبين مريم، وهو نفسه من شكل الحدث لافتراقهما، فنتيجة أفعاله وظلمه وقتله لهما ولّد عندهما عنف تجاهه، حيث قاما بالدفاع عن نفسهما بقتله، وهذا ما جعل مريم تتحمل مسؤولية قتله لتترك الحرية لليلى لتهرب كي تربي ولديها بعيدا عن هذا العنف، قريبة ممن أحبت.

إخلاص ليلى جعلها تذهب إلى مكان ولادة مريم بعد ماتم قتلها، لتعبر عن حبها لها، ولتستطيع الالتحام بذكرياتها التي تحدثت عنها.

على الرغم من تسريع الزمن في بعض الأحدث، لجأ الراوي إلى تقنية الوقفة لوصف بعض الأماكن التي أراد الإشارة إلى أهميتها ورمزيتها: الشوارع والبيوت مع ذكر ألوانهم ليدخل القارئ في عملية الإحساس بالمكان والحدث المبدل فيه، وجدير بالذكر أن رغم هذه الوقفة كان الزمن متسلسلا لا تكسير فيه ولارجوع كثير فيه باستثناء بعض الذكريات لمريم وليلى، تستذكران حياتهما السابقة في زمن معين، لتستطيعا الاستمرار في الواقع، وما الذكريات الجميلة إلاّ نافذة للمستقبل.

أما المكان في الرواية اختصّ في افغانستان وباكستان، ركز فيهما الكاتب أو الراوي على الأحداث السياسية التي تتالت فيهما، وما طرأ نتيجتها من تغيرات مجتمعية، أثرت على حياة الكثير من الناس في هذه المناطق، للسياسة دور أساسي في تغير الحكم والمجتمع والعادات والنظام...

أظهر الراوي الظلم القائم على المرأة من قبل الرجل، ومن قبل المرأة نفسها، فمريم ظُلمت أولا من والدها ومن ثم من والدتها التي منعتها من الذهاب إلى المدرسة وزرعت فيها العقد النفسية..في شيء لا ذنب لها فيه، ومن ثم من زوجات والدها اللواتي رمينها لرجل لا يعرف الرحمة، فعانت الظلم المركب لتقتل في نهاية الرواية..من يتحمل نتيجة هذا الظلم؟

هذا الظلم من قبل الإنسان ترفضه كل الأديان، والدين الاسلامي الذي هو محور الرواية بريء مما نسب إليه من جهل وظلم للمرأة، سواء منعها من العمل أو الخروج والدراسة و...، الدين الاسلامي يحث على العلم والعمل، وهو كرم المرأة وأعطاها كامل حقوقها، ولا ينبغي لنا إلصاق جهل البشر في تطبيقه، وظلم الناس باسم الدين..الدين الاسلامي بريء من هذه التهم.

وما مرّ في هذه الراوية من معلومات شاركنا فيها الراوي: أن الظلم يولد ظلم، وأن الانسان عليه تحمل نتيجة أفعاله، وأن الحروب لم تأت إلا بالخراب والدمار، وأن العلم نور..يشير إلى أن العلم هو الذي انتصر في النهاية، أقوال والد ليلى عن العلم والتعلم حفرت في دماغها وأتت ثمارها، ما هي إلا شموس تشرق لتنير دروب الإنسان ليعيش ويعمر الأرض لا ليدمرها، يعيش باطمئنان وحب لا ببغض وخوف: شمس العلم، شمس الحرية، شمس الحق ..

أما الرجل في هذه الرواية قد ظهر من خلال  شخصيات عدة،  متناقضة ومختلفة: والد مريم ذو الشخصية الضعيفة، رغم أنه حاول الوقوف مع ابنته ومنحها الحنان وتعليمها، إلا أنه ترك مصيرها بيد زوجاته ليضعنها في يد رجل كبير في السن، حاقد لا يعرف الرحمة ولا الإنسانية، ويكون بذلك ظالم بطريقة ما، وقد حاول التكفير عن ذنبه بزيارتها والاطمئنان عليها ..لكنها لم تسمح له من شدة حزنها وغضبها الداخلي.

_ الرجل الثاني في الرواية والذي شغل حيزا كبيرا من السرد هو زوج مريم ( رشيد) الذي هو مثال للرجل الكافر بالإنسانية ولنعم الله في هذا الكون، متسلط، متجبر، محتال.. نهايته كانت طبيعية جدا، شَرب من الكأس الذي طالما شرّب زوجاته منه، يُبيح لنفسه كل شي، من أعطاه هذا الحق؟

في نظرة إلى سلوكه:  نرى أنه أخذ مريم بسهولة تامة ونصّب نفسه عليها دون حسيب ولا رقيب، إن كان خاليا من الرقيب الداخلي الذي هو الدماغ والأخلاق والدين...فأين الرقيب الخارجي الذي هو والد الفتاة وأسرتها..والمجتمع! ، كما أخذ ليلى بالاحتيال في ظل الفوضى والحروب القائمة .

والرجل الثالث: هو والد ليلى الذي هو مثال للرجل المتعلم والمثقف، المحب والمتفهم..

والرجل الرابع هو طارق: طارق شاب مثقف ومتعلم، لكن الحروب المدمرة التي تدمر كل شيء: الثقافات والأمم والآثار..والإنسان نفسه ( مع فكره وعلمه وطاقاته وأهدافه وطموحاته) دمرته لمدة معينه، وجعلته غير قادر على الوقوف أمام هذا السيل الجارف من الظلم، هو مثّل الفئة الشبابية المظلومة في افغانستان وباكستان ..لكن شمسهم أشرقت في النهاية نتيجة الصبر والتصبر..والحلم والتحلم والإخلاص والعمل والعلم .

*وفي نظرة لوضع ( مريم) التي صُنفت أنها ابنة حرام، و( عزيزة) التي هي كما يقال ( ابنة حرام كذلك) هما في الحقيقة رغم اختلاف قصتهما : طفلتان غير-شرعيتين، لكن حظ مريم كان الأتعس، لأن والدتها لم تكن متعلمة ولم تستطع الخروج من عقدها النفسية وورثتها لابنتها، في المقابل نرى عزيزة الطفلة التي تعرضت للعنف منذ صغرها من قبل رشيد، على خلاف مريم التي تربت بجو من الحب والألفة ، تخلت عنها أمها لتضعها في مكان لتتعلم فيه..ضغطت على مشاعرها من أجل تعليم ابنتها، ولم تورثها أي عقدة من العقد التي وضعتها ( نانا) في فكر (مريم)، هما طفلتان وإن اختلفتا في الظروف نجد أن العلم أعطى لعزيزة جرعة أمل في المجتمع أكثر من مريم، شمس العلم تشرق من جديد.

 

رواية تاريخية دموية، ترشح بالألم والحزن، هي قصة لمرأتين تنتقلان ضمن مراحل حياتية متعددة في ظل عدة مشاكل خارجية من انقلابات وثورات وحروب إقليمية وخارجية، ومشاكل داخلية من عقد مجتمعية ونفسية وفكرية، وقصة رجالات عدة مثلوا فئات وطبقات معينة في المجتمع .

تحياتي للراوي خالد الحسيني، وللأستاذ وليد الزبيدي ..

 

تعليقات

مشاركات شائعة

جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح عنوز الشعرية الكاملة بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية "مشاهد" للكاتب المصري شريف التلاوي بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي

الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية لديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» لـلشاعر المغربي سعيد محتال بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

سرد الاغتراب والبحث عن المعنى قراءة ذرائعية في رواية ( منروفيا ) للكاتب المصري أحمد فريد مرسي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

تجليات أدب الخيال العلمي في المجموعة القصصية / تشابك سرّي/ للقاصّة المصرية غادة سيد دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم د. عبير خالد يحيي

المشاركات النقدية الذرائعية

كبوة الريح/دراسة نقدية ذرائعية

مؤلف عبد الرحمن الصوفي

الشعر الحر وتمثّلات الدعوة لأغراض شعرية جديدة - دراسة ذرائعية مستقطعة في قصائد للشاعر العراقي وليد جاسم الزبيدي من ديوان ( مرايا الورد) بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبيرخالد يحيي

جرأة التجريب ولعبة الميتاسرد في رواية ( لو لم أعشقها) للأديب المسرجي والروائي المصري الكبير السيد حافظ - دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة السورية الدكتورة عبير خالد يحيي

قداسة المكان و تحليق الذّات الملتهبة

التوازي في الدلالات السردية - دراسة ذرائعية باستراتيجية الاسترجاع في رواية ( بغداد .. وقد انتصف الليل فيها) للأديبة التونسية حياة الرايس - بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي

قصيدة ترميم الروح

قصيدة النثر العربية المعاصرة

أدب الغزو من منظور ذرائعي

تعبير رؤية