صورة المرأة الأفغانية المضطهدة في رواية ( ألف شمس مشرقة) للكاتب الأفغاني الأمريكي خالد حسيني
قراءة ذرائعية
بقلم
الناقدة الذرائعية سمر الديك
- مدخل:
إن الرواية هي
تشکيل للحياة بالاعتماد على أحداث وشخصيات متفاعلة مع الأحداث والوسط الذی تدور
فيه هذه الأحداث لكي تصل فی النهاية إلی نتيجة اجتماعيّة أو سياسيّة أو فلسفيّة و
… فحاجة الإنسان إلی رواية الأحداث التي تقع له ودفع الآخرين إلی مشاركتها هو
انتقال تجاربه وأحاسيسه إلى الآخرين وهي من الحاجات الفطرية للإنسان التي ينقل
فيها حاجته إلی العالم الخارجي بطرق مختلفة، و الروائيون يدركون جيداً ارتباط حركة
المرأة بالمجتمع وكذلك بدلالة المرأة كرمز ثري موحٍ للتعبير عن الوطن.
أولاً:المدخل
البصري واللساني والجمالي
*العتبة البصرية *
أول مايلفت
النظر هو الغلاف والعنوان
-الغلاف نرى فيه صورة للمرأة الأفغانية وهي تحث الخطى على السير
والكفاح لتحسين واقعها البائس في الحياة إضافة إلى لون الشمس الذهبي وإن كان
باهتاً بحيث جاء الغلاف مناسباً وموفقاً لأحداث الرواية وخصوصاً -عنوان الرواية
"ألف شمس مشرقة «وهو عتبة دلالية ايحائية شدّ عليه خيط التشويق ومن ثمّ بنى
عناصر التشابك السردي وإن وجدنا في آخر صفحة من الرواية أنّ الكاتب الأفغاني خالد
حسيني يذكر أن عنوان الرواية (ألف شمس مُشرقة) أتى من قصيدة للشاعر صائب التبريزي،
وهو شاعر أفغاني من القرن السابع عشر إلاّ أنه كان موفقاً في عنوان الرواية حيث
أراد أن يبث التفاؤل وينشر النور والأمل لدى المتلقي ويريحه ولو قليلاً من الأحداث
المؤلمة والدرامية العميقة أثناء قراءة تلك الرواية .
ثانيًا- المستوى
المتحرك:
حقاً عند قراءتي
لتلك الرواية شعرت بأنني في جحيم مؤلم يقطع الأنفاس شأني شأن القراء الآخرين لكن
العنوان (ألف شمس مشرقة) خفف الوجع والألم ولو قليلاً وهذا بنظري يُحسب للروائي
الافغاني الأمريكي خالد الحسيني, مزاحماً نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وحنا مينة
وغيرهم ومافعله الانكليزي (جوزيف كونراد)لأفريقيا فعله خالد حسيني الآن لأفغانستان.
صحيح أن أحداث الرواية
تدور حول امرأتين أفغانيتين، مريم وليلى، مريم ابنة الحرام، لرجل أفغاني ثري، له
ثلاث زوجات، لكنه طمع بعلاقة عابرة مع امرأة مضطهدة ووجد نفسه أباً لطفلة سماها
مريم لم يجرؤ على الاعتراف بها، لأنه سيشوه سمعته وسمعة زوجاته الثلاث وأبنائه،
فعاشت مريم مع أمها، حياة بائسة لكنها كانت تحب والدها كثيراً، وتحلم أنه ذات يوم
سوف يفتح لها بيته لكنه وبعد وفاة أمها منتحرة، أسرع بتزويجها من رشيد رجل يكبرها بأكثر من ثلاثين سنة، أرمل وله
ابن توفي غرقاً.. يعيش في كابول …تذعن مريم لمشيئة والدها وتكتم ألمها ، وتعيش مع
زوجها رشيد خادمة.. ولم تنجح بأن تنجب له ولداً، فاتخذ من ذلك عذراً لضربها
وتحقيرها ومعاملتها كما لو أنها حيوان، وتَفجّر حقده عليها ساحقاً ومروعاً، لدرجة
أنه أجبرها ذات يوم أن تمضغ الحصى رغماً عنها، مستمتعاً بصوت تكسّر أسنانها..
في القسم الثاني
من الرواية تلتقي مريم بليلى الذكيّة الفطنة التي شهدت موت أسرتها، بسبب الحرب
الدائرة بين المجاهدين والسوفييت، والتي عاشت قصة حب غرائبية مع الشاب طارق الذي
قُطعت إحدى أقدامه إثر لغم انفجر فيه ثم اختفى أثناء الحرب وتكتشف نفسها بأنها
حامل منه لذلك لجأت إلى مريم لمساعدتها وبالفعل أنقذتها مريم بتزويجها من رشيد
لإخفاء أمر الحمل وتتقاسم المرأتان ويلات العذاب والاضطهاد والتحقير من رشيد وتقدم
مريم لضرب رشيد على رأسه دفاعاً عن ليلى ورد الظلم عنها فيموت على الفور .
في نهاية
الرواية يضع الكاتب المتلقي في بوتقة الادهاش حيث يظهر طارق في خضم هذه الأحداث
المروعة وتنتقل ليلى للعيش معه .
وينتهي الحال
بمريم لمواجهة حكم الإعدام بمفردها
استطاع الروائي
خالد الحسيني أن يُؤثر على القارئ من خلال الأحداث المتتالية في قسمي روايته ولغته
المتمكنة في سرده للأحداث وأراه يمتلك تلك المقدرة الفطرية على القص التي جعلت
عمله كلاسيكيا محبوبا خلال حقبة زمنية طويلة في السبعينات من القرن العشرين كان
الناس في أفغانستان يعانون من التخلف
والقهر والجوع المدقع والظلم وخصوصاً النساء الأفغانيات لذلك مزج أحداث الرواية
بين الحبٍّ (طارق وليلى)والحرب الدائرة بين المجاهدين والسوفييت والموت (نانا أم
مريم ،ووالدي ليلى وأخيرا رشيد زوج المرأتين المعنفتين مريم وليلى )
جاء أسلوب الرواية ليمثّل رشاقة السرد بجمله المسترسلة في بعض الأحيان
إضافة إلى الصور المؤلمة والمدهشة وعنصر المفاجأة.
التناص:حيث لجأ
الكاتب الى التناص من القرآن الكريم ومن سورة الملك
عند وفاة نانا
أم مريم جلس والد مريم بجانبها قائلاً لها:
"استمري بالبكاء مريم جو استمري …لاخجل في ذلك ولكن تذكري يا ابنتي
ماذا يقول القرآن : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ
الَّذِي خَلَقَ
الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)
القرآن يقول
الحقيقة يا ابنتي خلف كل امتحان وكل ألم نلقاه فإن لله حكمة في ذلك
-ثانياً : المستوى الأخلاقي والبؤرة الفكرية الثابتة :
الكاتب يثير
قضايا اجتماعية وعلمية معرفية، وسياسية في غاية الأهمية في المجتمع الأفغاني
تحديدًا فنراه يُسلط الضوء على معاناة المرأةالأفغانيةبشخصية مريم وأمها نانا
وليلى في مجتمع ذكوري يلفظ حقوق المرأة وإنسانيتها، الرجل الذي يشبه الشيطان
ويتحكم في مصير الشخصيات الأساسية في الرواية
"لم تكن ليلى لتصدق بأنّ جسم الإنسان قد يتحمل هذا القدر من الضرب بهذه
الطريقة الشرسة والمنظمة ويبقى يعمل "
"هذه الحياة تصرُّ على أن نحمل حزناً فوق حزن حتى نصبح غير قادرين على
التحمل أكثر "
-ثالثا: المستوى النفسي والمدخل السلوكي والعقلاني:
حيث نلمس ثقافة
الكاتب ومخزونه المعرفي والفلسفي من خلال إنطاق شخوص روايته بعض العبارات
"كما أبرة البوصلة تشير إلى الشمال فإنّ أصبع الرجل يجدُ دائماً امراة
ليتهمها تذكري ذلك يامريم "
"قلب الرجل يامريم ليس كرحم الأم إنه لا ينزف الدم …لن يتوسع ليصنع لك
منزلًا "لقد نجح الكاتبُ بالإيجاز الشديد، والتكثيف الواضح في اختيار المفردة
الدالة وصنع القفلة المحكمة وكان واقعياً عكس لنا الحياة الاجتماعية بصدق وما فيها من بؤس، وشقاء،
وتعاسة، وفوضى والبحث عن الإنسانية في تلك
الحياة الاجتماعية المنهكة بالحزن، وغياب
الضمير الحي.
-أخيراً كلمة لابد منها: أعتذر إن كان هناك تقصير في الدراسة, فالكمال
لله وحده
تعليقات
إرسال تعليق