أدب الرحلات المعاصرة: سفر في الجغرافيا والذات دراسة ذرائعية مستقطعة على كتاب (نيويورك في عيون زائرة عربية) للكاتبة اللبنانية هناء غمراوي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

حين يحمل الكاتب قلمه كما يحمل الرحّالة عصاه، تتّسع الجغرافيا في سطور، وتتشكّل الخرائط من حبر ودهشة. أدب الرحلات المعاصرة ليس مجرد سردٍ للأمكنة، بل هو فنّ التقاط نبضها، تأمّل تفاصيلها، وتحليل تجلّياتها الثقافية والتاريخية والاجتماعية. إنه تفاعل بين ذاتٍ ترحل وعالمٍ يستقبلها، حيث يذوب الحدّ الفاصل بين المدوِّن والمدوَّن، فيتّخذ السرد طابعًا حسّيًا ينقل القارئ عبر العيون والذاكرة والوجدان. إن كان الرحّالة في العصور القديمة يطوف بالأرض بحثًا عن المعرفة أو المغامرة، فإن رحّالة العصر الحديث لا يكتفي بالوصف، بل يتجاوز الحكاية إلى التأويل، يمزج بين الذاتي والموضوعي، يقرأ في معالم المدن أحلامَ ساكنيها، وفي طبيعتها فلسفة الحياة، وفي ثقافتها شيفرة هويتها. من نيويورك إلى شنغهاي، من صحراء إفريقيا إلى جبال الألب، يظلّ أدب الرحلات مرآة تعكس التفاعل الإنساني مع المكان، وتوثّق التغيرات الحضارية والاجتماعية، فيغدو السفر وسيلة لاكتشاف العالم كما لاكتشاف الذات. هو الأدب الذي يبرهن أنّ الحدود وهم، وأنّ الرحلة الحقيقية هي التي تأخذنا إلى عمق الحياة بقدر ما تأخذنا إلى أفقٍ جديد. في ...