قالت : كن حبيبي

 


قالت : كن حبيبي

بقلم الأديب المصري عبد المنعم كامل


.......................................
حين بلغت هنية حافة الترعة قبل شروق الشمس بساعة على الأقل توقفت قليلًا وجرّتها فوق رأسها، حدّقت في الماء الجاري كأنها تبحث عن شيء، رفعت ذراعها اليمنى وأنزلت جرتها، وضعتها على حجر يرتفع عن الأرض بمقدار نصف المتر، ثم جلست، اتكأت على الحجر، حدقت في الماء مرة أخرى، والحقيقة أنني لم أتأكد قط مما كان يدور في وعيها، وربما كان الأزرق الداكن على سطح الماء أبعد من أن يكون قابلا للفهم، وكنت أعرف أن هنية مصابة بداء نفسي غامض يدفعها أحيانا إلى الرقص في حجرة الفرن أعلى السطح فيما يشبه الجنون، وكان ذلك يحدث عندما ترى شيئا غير قابل للفهم، على أنني ظللت في تلك اللحظة من الصباح واقفا على مسافة مائتي متر خلفها ، ثم رأيتها تقف في مواجهة شجرة التوت ، فنظرت أنا أيضًا إلى حيث اعتقدت أنها تنظر، رأيت الذئب في الجهة المقابلة يضع رأسه بين فرعي شجرة التوت العجوز، اضطربت هنية وتحولت في وقفتها حتى صار الذئب على يسارها ، لكنها لم تحول عينيها عن وجهه، ولم تخط خطوة واحدة في أي اتجاه، ظلت تحدق في عينيه البراقتين ، مدت يدها فأمسكت بالجرة ، لم تستدر وإنما بدأت تتراجع إلى الخلف دون أن تفارق عيناها وجه الذئب، ولم تكن تعلم أنني صرت على بعد خمسين مترا متجها إلى المدرسة على الدراجة، وفي ثوان كنت قد بلغت موقعها، رأيت الذئب يقفز الترعة مقبلا ، نزلت وحاذيتها، توقف الذئب حين رأى أن هنية لم تعد وحدها، قالت كن حذرا، قلت لا تتراجعي، قفي مكانك، وقفنا ثابتين، كانت الطلقة مدوية ملأت فراغ المكان، وركض الشيخ فرج حارس الحديقة إلى الذئب الذي طفرت من جسده الدماء، ثبت بندقيته على كتفه وراح يجره من رجليه وهو يقول : أيها البائس، كيف تجرؤ ؟
في الليل قبيل الفجر دخلت القرية في هدير هائل : يا حوريات الليل ارحلن، اتركن البدر ولا تقتلن، وسنغفر عند الفجر لكن، حررن البدر ولا تجهلن، يا حوريات الليل ارحلن )
ورأيت هنية بين الجموع، ترقص فيما يشبه الجنون، هرولت إليها، أمسكت بيدها، جذبتني وهي تتمتم : لا تدع الليل يطمس فجرك ، واحذرهم أن يفتنوك عن رؤياك، وكن حبيبي .
حين ماتت هنية، كنت قد صرت طالبا في الجامعة، وكان الشيخ فرج قد فقد بصره في المعتقل، ولم أدر أين ذهبت البندقية .

تعليقات

مشاركات شائعة

جماليات الجرح وتحولات الذات: دراسة ذرائعية في أعمال د. صباح عنوز الشعرية الكاملة بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

بين البنية السردية والتشكّل القِيَمي: قراءة ذرائعية في رواية "مشاهد" للكاتب المصري شريف التلاوي بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي

الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية لديوان «رقصات الصمت تحت جنح الظلام» لـلشاعر المغربي سعيد محتال بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي

سرد الاغتراب والبحث عن المعنى قراءة ذرائعية في رواية ( منروفيا ) للكاتب المصري أحمد فريد مرسي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

تجليات أدب الخيال العلمي في المجموعة القصصية / تشابك سرّي/ للقاصّة المصرية غادة سيد دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم د. عبير خالد يحيي

المشاركات النقدية الذرائعية

كبوة الريح/دراسة نقدية ذرائعية

مؤلف عبد الرحمن الصوفي

الشعر الحر وتمثّلات الدعوة لأغراض شعرية جديدة - دراسة ذرائعية مستقطعة في قصائد للشاعر العراقي وليد جاسم الزبيدي من ديوان ( مرايا الورد) بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبيرخالد يحيي

جرأة التجريب ولعبة الميتاسرد في رواية ( لو لم أعشقها) للأديب المسرجي والروائي المصري الكبير السيد حافظ - دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة السورية الدكتورة عبير خالد يحيي

قداسة المكان و تحليق الذّات الملتهبة

التوازي في الدلالات السردية - دراسة ذرائعية باستراتيجية الاسترجاع في رواية ( بغداد .. وقد انتصف الليل فيها) للأديبة التونسية حياة الرايس - بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي

قصيدة ترميم الروح

قصيدة النثر العربية المعاصرة

أدب الغزو من منظور ذرائعي

تعبير رؤية